كتبت: د. إيمان بشير ابوكبدة
في الحياة اليومية نلتقي بأنماط كثيرة من الشخصيات، لكن من أكثرها إثارة للحيرة والشك هو الرجل المتلوّن؛ ذلك الشخص الذي لا تعرفه حقاً، لأن مواقفه تتغير بتغير المواقف والناس والأوقات. قد تراه اليوم داعماً وصادقاً وواضحاً، لكنك تكتشف غداً أنه شخص مختلف تماماً. هذه الشخصية تنتشر في بيئات العمل، وفي العلاقات الاجتماعية، وحتى داخل العلاقات العائلية، مما يجعل فهمها والتعامل معها تحدياً يحتاج إلى وعي وذكاء.
الرجل المتلوّن ليس مجرد شخص يتغيّر، فالتغيّر أمر طبيعي عند البشر، بل هو شخص يتبدل باستمرار إلى حد يجعل من الصعب التنبؤ به أو الوثوق بما يقوله. وهنا تكمن المشكلة الحقيقية: غياب الثبات في القيم والمواقف، ووجود حاجة دائمة لتغيير الأقنعة حسب ما يناسبه.
من هو الرجل المتلوّن؟
الرجل المتلوّن هو شخصية تتأثر سريعاً بالظروف المحيطة، وتغيّر سلوكها بطريقة مبالغ فيها كي تكسب قبول الآخرين أو تحقق مصلحة شخصية. قد يظهر لك بأنه حازم وصاحب مبادئ، لكنه في لحظة أخرى يصبح متساهلاً أو متناقضاً تماماً مع ما قاله سابقاً. هذا التلوّن قد يكون واعياً ومدروساً، وقد يكون سلوكاً تلقائياً نابعاً من نقص الثقة بالنفس أو الخوف من الرفض.
العلامات التي تميز الرجل المتلوّن
تغير الآراء بسرعة
تجده يؤيد فكرة اليوم ويعارضها غداً، ليس بسبب تطور طبيعي في التفكير، بل لأنه يتوافق مع من أمامه.
المبالغة في المجاملات
المديح عنده وسيلة للحصول على رضا الناس، وليس تعبيراً صادقاً عن رأي أو مشاعر.
ضعف الالتزام بكلمته
وعوده غير ثابتة، يقول لك شيئاً ثم يتراجع بسهولة، وكأن التزامه مجرد كلام عابر.
وجه يراه الجميع بطريقة مختلفة
يظهر مع كل شخص بوجه مختلف: مع من هو أقوى منه مطيع ومهذب، ومع الأضعف منه قد يتغير تماماً.
يغيّر مواقفه خوفاً من المواجهة
لا يحب المواجهة أو النقاشات التي تكشف موقفه الحقيقي، لذلك يختار التلوّن للهرب من الحسم.
ينسجم بسرعة غير طبيعية
يحاول دائماً أن يكون “لطيفاً جداً” أو “متوافقاً جداً”، وهذا غالباً يكون بهدف كسب العاطفة أو المصلحة.
لماذا يصبح الرجل متلوّناً؟
ضعف الثقة بالنفس
الشخص الذي لا يملك ثباتاً داخلياً يلجأ لتغيير مواقفه كي يشعر بأنه مقبول.
الخوف من فقدان العلاقات
بعض الأشخاص يتلوّنون لتجنب الخلاف أو كي لا يخسروا أشخاصاً يظنون أنهم بحاجة إليهم.
المصلحة الشخصية
التلون هنا يصبح أداة للوصول لأهداف معينة، مثل النفوذ أو المنفعة.
غياب المبادئ الراسخة
الشخص الذي لا يملك قيم واضحة يسهل عليه تغيير رأيه ووجهه في أي وقت.
التأثر بالمحيط
هناك من يتأثر بالبيئة بشكل كبير، فيتبنى آراء الآخرين دون أن يفكر فيها، ويغيّرها إن تغيروا.
تأثير الرجل المتلوّن على من حوله
فقدان الثقة
لا أحد يستطيع بناء علاقة مستقرة مع من يتقلب في مواقفه باستمرار.
خلق بيئة مشحونة
وجوده في العمل أو العائلة يسبب توترًا لأن الناس لا يعرفون ماذا يتوقعون منه.
تعطيل القرارات
في فريق العمل، التلوّن يجعل التعاون صعباً لأنه يغير رأيه في منتصف الطريق.
الأذى العاطفي
خصوصاً في العلاقات الشخصية، حيث يشعر الطرف الآخر بأنه يعيش مع شخص بلا وضوح ولا صدق.
كيف تتعامل مع الرجل المتلوّن؟
لا تعتمد على كلامه… راقب أفعاله
الكلام عنده كثير، لكن الحقيقة تظهر في التصرفات.
ضع حدوداً واضحة
حتى لا يسمح تلوّنه بالتدخل في حياتك أو قراراتك بشكل مؤذٍ.
لا تمنحه معلومات شخصية كثيرة
لأن تلوّنه قد يجعله يستخدمها بشكل غير مناسب لاحقاً.
كن ثابتاً في موقفك
الشخص الثابت يُجبر الآخرين على الوضوح، ويكشف المتلوّن سريعاً.
تحدث معه بصراحة عند الحاجة
أحياناً المواجهة الهادئة تجعله يدرك أنه مكشوف.
احمِ نفسك من الأذى النفسي
إذا كان تلوّنه يسبب لك توتراً دائماً، فوجود مسافة آمنة يكون أفضل.
هل يمكن أن يتغير الرجل المتلوّن؟
نعم، يمكن أن يتغير إذا:
امتلك الوعي بأنه يسبب أذى للآخرين.
طور ثقته بنفسه.
تعلم قول “لا” وامتلاك موقف ثابت.
أدرك أن التلوّن ليس دائماً وسيلة للقبول، بل قد يكون سبباً في خسارة
الجميع.
لكن التغيير يحتاج إرادة حقيقية، وليس مجرد كلمات.
