كتبت/نجده محمد رضا
في تاريخ الحروب، قد تُحسم المعارك بالسيوف والسهام، لكن بعضها يُكتب بالدهاء أكثر من القوة ومن بين كل حيل التاريخ العسكري تبقى قصة حصان طروادة أكثرها بروزًا، إذ تحولت من مجرد حيلة حرب إلى رمزٍ عالمي للخداع الذكي والانتصار بالعقل قبل السلاح.
طروادة… مدينة لا تُقهر
كانت طروادة مدينةً منيعة تقع في آسيا الصغرى، محاطة بأسوار هائلة وملتصقة بالأساطير. ووفقًا لرواية هوميروس في ملحمته “الإلياذة” فقد استمرت الحرب بين الإغريق والطرواديين عشر سنوات كاملة دون أن يتمكّن الإغريق من اختراق الأسوار أو إضعاف المدينة.
فالقوة العسكرية للطرواديين، إضافةً إلى جغرافية المدينة المحصّنة، جعلت المعركة تصل إلى طريق مسدود، الأمر الذي دفع الإغريق إلى البحث عن حلّ خارج حدود السيوف
ولادة الفكرة العبقرية
بعد أعوام من القتال دون جدوى، برز اسم أوليس (أو أوديسيوس)، القائد الإغريقي المعروف بذكائه أكثر من بأسه. اقترح الرجل خطة غير مألوفة
قطع القتال والادعاء بالانسحاب وترك حصان خشبي ضخم كهدية للطرواديين.
كانت الفكرة مذهلة في جرأتها، فهي لا تعتمد على قوة الجيش، بل على نقاط ضعف الخصم: الثقة الزائدة والرغبة في الاحتفال بالنصر.
الحصان الخشبي… سلاح لا يحمل سيفًا
صنع الإغريق حصانًا عملاقًا من الخشب، بتصميم يسمح بإخفاء مجموعة من أمهر مقاتليهم بداخله، بينما انسحب بقية الجيش إلى خلف التلال الساحلية، وكأنهم غادروا إلى بلادهم.
تركوا الحصان أمام أبواب المدينة مع رسالة تقول إنه “هدية للآلهة” ورمز “لانتهاء الحرب”.
هنا وقع الطرواديون في الفخ. فقد انقسموا بين من يرى ضرورة حرق الحصان ومن يرغب في إدخاله بوصفه تذكارًا لانتصارهم. وفي النهاية، غلبت العاطفة وغرور النصر، فتم سحب الحصان إلى داخل الأسوار وسط الاحتفال.
الليلة التي سقطت فيها طروادة
حين نامت المدينة مطمئنة، خرج المقاتلون المختبئون داخل الحصان، وفتحوا أبواب طروادة للجيش الإغريقي الذي كان ينتظر في الظلام. وفي ساعات قليلة انهار ما عجزت عنه عشر سنوات من القتال.
أُضرمت النيران في القصور، وسقطت المدينة التي كانت تُعدّ حصينة لا يمكن أن تُغلب.
وما زال المؤرخون يرون في تلك اللحظة انتصارًا للعقل على القوة، وللخداع العسكري على الأسوار والحصون.
رمزٌ خالد… من الحرب إلى التكنولوجيا
تحوّل حصان طروادة عبر القرون إلى رمزٍ عالمي للخديعة الذكية. وحتى عصرنا الحالي، تُستخدم التسمية لوصف البرمجيات التي تبدو آمنة لكنها تحمل في داخلها أخطر التهديدات.
إنه نموذج واحد لفكرة خالدة:
أخطر الهجمات ليست دائمًا التي نراها بل تلك التي تطرق أبوابنا في هيئة هدية.
يبقى حصان طروادة أكثر من مجرد قصة حرب إنه درسٌ في أن المعارك تُكسب بالعقول الهادئة والخطط المحكمة وأن نقطة الضعف الأخطر لدى أي خصم قد تكون غروره وثقته الزائدة.
وقد أثبت الإغريق بحيلتهم تلك أن الفكرة الواحدة قد تغيّر المشهد كله.
