ملفات و تحقيقات

عندما يحدد العمل حياتك العاطفية: قاعدة مكان العمل في الصين التي تجاوزت الحدود

د. إيمان بشير ابوكبدة

من المتوقع أن تحافظ أماكن العمل على الاحتراف والنزاهة واحترام الاختيارات الشخصية. ولكن ماذا يحدث عندما تفرض شركة قرارات تتعلق بالحياة الشخصية كشرط للتوظيف؟ احتل هذا السؤال مركز الصدارة في جدال مؤسسي حديث أثار انتقادات واسعة النطاق وتدخلات رسمية.

السياسة: الزواج أم البطالة؟

ولم يقتصر التوجيه الذي أصدرته مجموعة شونتيان الكيميائية على تحديد موعد نهائي فحسب؛ بل أدخل عملية صارمة ومنظمة لضمان الامتثال. فقد طلب من الموظفين الذين ظلوا عازبين بعد شهر مارس تقديم خطاب انتقاد ذاتي، يبرر فعلياً سبب عدم حصولهم على زوج/زوجة حتى الآن. وبحلول شهر يونيو، كان عليهم الخضوع للتقييم، في حين يواجه أولئك الذين ظلوا غير متزوجين بحلول شهر سبتمبرالعواقب النهائية ــ الفصل من العمل.

وقد صاغت الشركة، التي توظف أكثر من 1200 فرد، هذه السياسة باعتبارها جهداً لدعم القيم الصينية التقليدية، وخاصة تلك التي تتمحور حول الولاء والأسرة والاستقرار الاجتماعي. ولكن بالنسبة للعديد من الناس، كان هذا النهج المتطرف انتهاكاً واضحاً للاستقلال الشخصي، مما أثار مخاوف أخلاقية وقانونية خطيرة.

مسألة ثقافة أم سيطرة؟

بررت مجموعة شونتيان الكيميائية سياستها بالإشارة إلى أهمية الزواج في الثقافة الصينية. تاريخيًا، كانت مفاهيم مثل التقوى الأبوية والوئام الاجتماعي راسخة بعمق في المجتمع الصيني، حيث يُنظر إلى الزواج غالبًا باعتباره قوة استقرار. ومن المرجح أن الشركة رأت في توجيهها وسيلة لتشجيع الالتزام والمسؤولية والاستقرار الطويل الأجل بين الموظفين.

ولكن فرض مثل هذا القرار الشخصي العميق كشرط من شروط الوظيفة قوبل بمعارضة شديدة. وزعم المنتقدون أن هذه السياسة لم تكن متطفلة فحسب، بل كانت أيضاً تمييزية، حيث استهدفت بشكل غير متناسب الأفراد العزاب والمطلقين، وعاقبتهم على خيارات شخصية لا تؤثر على قدراتهم المهنية.

رد الفعل الشعبي والتدخل الحكومي

أثار إعلان هذه السياسة ردود فعل عنيفة من جانب الموظفين وعامة الناس على نطاق أوسع، حيث عبر العديد منهم عن غضبهم على وسائل التواصل الاجتماعي وفي المنتديات العامة. وسرعان ما اكتسبت المخاوف بشأن حقوق الإنسان والتمييز في التوظيف وتعدي سلطة الشركات على الحياة الشخصية زخماً كبيراً. وبعد أن أدرك المسؤولون الصينيون الجدل المتزايد، سارعوا إلى التدخل، فوبخوا الشركة وأوقفوا تطبيق السياسة. وأكد هذا التدخل موقف الحكومة بشأن حماية حقوق العمال، حتى في بلد حيث تتمتع القيم التقليدية بثقل كبير.

مكان العمل مقابل الحياة الشخصية: أين الخط الفاصل؟

إن هذه الحادثة تثير تساؤلات أوسع نطاقاً حول التوازن بين توقعات مكان العمل والاستقلال الشخصي. فإلى أي مدى ينبغي للشركات أن تؤثر على الحياة الخاصة لموظفيها؟ ورغم أن تعزيز القيم التقليدية في مكان العمل ليس مشكلة في حد ذاته، فإن الإكراه من خلال الأمن الوظيفي يتجاوز خطاً خطيراً.

درس في الحدود

في نهاية المطاف، تشكل هذه الحلقة قصة تحذيرية لأصحاب العمل في جميع أنحاء العالم. ينبغي أن يكون مكان العمل مساحة للنمو المهني والمساهمة، وليس ساحة معركة لفرض خيارات نمط الحياة الشخصية. وأكد تدخل السلطات أنه حتى في مجتمع سريع التغير، لا ينبغي المساس بالحريات الشخصية باسم أيديولوجية الشركات.

وبينما تتنقل الشركات بين التقليد والحداثة، تظهر قضية مجموعة شونتيان الكيميائية أنه عندما تصبح الحياة الشخصية سياسة للشركة، فإن العواقب يمكن أن تكون وخيمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى