القناعة والرضا.. بين غفلة الدنيا وسباق الآخرة

د/حمدان محمد
في زمنٍ تتسارع فيه وتيرة الحياة، وتزداد فيه المقارنات الاجتماعية، نجد الكثير من الناس ينظرون إلى من هو أعلى منهم في المال والجاه والمنصب، فيشعرون بالنقص والحرمان، بينما يغفلون عن النظر إلى من سبقهم في العبادة والطاعة، وكأن الدنيا وحدها هي ميدان التنافس، أما الآخرة فليست في الحسبان. وهذه النظرة المختلة قد تجعل الإنسان يعيش في سخطٍ دائم، بدلاً من أن يسعى إلى ما ينفعه في دنياه وآخرته.
فحين يعتاد الإنسان مقارنة نفسه بالأغنياء وأصحاب النفوذ، قد يقع في فخ الحسد والجحود، فيقول: “لماذا ليس لدي مثل فلان؟”، “كيف حصل فلان على هذه النعمة وأنا لا أزال في مكاني؟”، فيتملكه الحزن والسخط، وينشغل عما لديه من نعم.
لكن النبي ﷺ وجّهنا إلى الحل حين قال: “انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم” (رواه مسلم). فالإنسان إذا تأمل حال الفقراء والمرضى والمحرومين، أدرك كم هو غنيٌّ بنعم الله عليه، فسجد له شكرًا بدلاً من أن يملأ قلبه بالحسرة.
وفي المقابل، تجد أن الكثيرين لا يقارنون أنفسهم بمن هم أعلى منهم في الطاعة، فلا يسألون: “لماذا لا أختم القرآن كما يفعل فلان؟”، “لماذا لا أقوم الليل؟”، “كيف أنفق فلان من ماله في سبيل الله وأنا لا أفعل؟”.
وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يتنافسون في الخيرات، حتى إن الفقراء كانوا يحزنون لأنهم لا يملكون ما يتصدقون به، كما جاء في الحديث الشريف: “ذهب أهل الدثور بالأجور” (رواه مسلم)، أي أن الأغنياء سبقونا بالصدقات. فبيّن لهم النبي ﷺ أن لهم أبوابًا أخرى للحسنات، كالتسبيح والتهليل والتكبير، مما يدل على أن السباق الحقيقي هو في طاعة الله وليس في جمع المال.
فالإسلام يدعو إلى التوازن في النظر إلى الأمور؛ فالمؤمن ينبغي أن يكون قنوعًا برزقه في الدنيا، ولكنه في الوقت نفسه، لا يرضى بالقليل في مجال الطاعات. وقد قال رسول الله ﷺ: “لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار” (متفق عليه). فالحسد المحمود هو الغبطة التي تدفع الإنسان للسعي في الخير، لا للحقد والضغينة.
وليعلم المرء بأن الرضا والتطلع إلى الآخرة له ثمار
1. راحة البال: من رضي بما قسمه الله له، عاش هادئًا مطمئنًا.
2. عدم الوقوع في الحسد والغل: فالقلب الممتلئ بالقناعة لا يحسد أحدًا.
3. السعي نحو الطاعات: فمن شغل نفسه بمقارنة عبادته بأهل الإيمان، ازداد تقربًا إلى الله.
4. الفوز برضوان الله: وهذا هو النجاح الحقيقي الذي ينبغي أن يسعى إليه كل مؤمن.
وليعلم المرء
إنّ السعادة الحقيقية ليست في كثرة المال ولا في علوّ المناصب، وإنما في الرضا بما قسمه الله، والتنافس في الطاعات، والسعي للفوز برضوان الله. فطوبى لمن كان همه الآخرة، وجعل الدنيا مطيةً لها، وسعى ليكون من الفائزين يوم القيامة.
نسأل الله أن يجعلنا من الشاكرين لنِعَمه، المتنافسين في طاعته، الزاهدين في زخارف الدنيا الفانية.