مقالات

من الترف إلى الجوع: كيف ضاعت النعم وأصبح الهدر سمة العصر

 

 

أحمد حسني القاضي الأنصاري

 

في الماضي، كانت الصومال من أغنى الدول في منطقة القرن الإفريقي. كانت الأرض مليئة بالزراعة، والمواشي تنتشر في كل مكان. كان الرجل في الصباح يذبح كبشًا ويأخذ منه الكبد لبدء يومه، بينما يتم إلقاء باقي الكبش في القمامة. كان الرفاه هو السائد، حتى جاءت الأيام الصعبة التي قلبت الأمور. مع مرور الوقت، ضاع الكثير من هذا الرفاه، وأصبحت البلاد تعاني من أزمة غذاء خانقة.

وفي حديثه عن هذه الظاهرة، ذكر كاتب سوري قصة مؤلمة عن العراق، حيث وصل الترف إلى حد إلقاء الطعام المتبقي في أكياس القمامة، حتى اختفى مصطلح “الأكل البايت”. وبعد الحصار الذي دام 13 عامًا، عانى الشعب العراقي من الفقر والجوع، حتى أصبح الخبز الأسود هو الوجبة الرئيسية، وتوفي أكثر من مليون طفل بسبب سوء التغذية.

تتكرر هذه القصص في بعض البلدان العربية، ففي دمشق تجد الخبز يتناثر في حاويات القمامة. في بعض الأحيان، تسقط قطعة خبز على الأرض، وتتركها امرأة فقيرة أو يركلها شخص آخر. وبعض الأحيان، ترى شخصًا يستخدم قطعة من الخبز لمسح حذائه. هذه المشاهد تثير القلق وتحذرنا من المستقبل، حيث قد نجد أنفسنا في يوم من الأيام نشتاق لتلك الأرغفة المهدورة.

يروي الكاتب عن والده، الذي كان يقدر النعمة مهما كانت صغيرة. كان يفضل تناول طعام الأمس على طعام اليوم، ويبلل الخبز الجاف بالماء ثم يأكله. كان يرفض إلقاء أي طعام، وكان دائمًا يردد حديث النبي ﷺ: “أحسنوا جوار نعم الله، ولا تنفروها، فإنها إذا ذهبت عن قوم لا تعود إليهم”.

في أيامنا هذه، يجب أن نتوقف ونعيد التفكير في كيفية تعاملنا مع النعم التي أنعم الله بها علينا. فكما قال النبي ﷺ: “اخشوشنوا، فإن النعم لا تدوم”. إذا فرطنا في نعمنا، قد نجد أنفسنا في وضع لا نحسد عليه.

“لئن شكرتم لأزيدنكم…” هذه الكلمات يجب أن تظل نصب أعيننا لنعرف قيمة ما لدينا ونتجنب الهدر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى