سلحفاة بلا واي فاي تتفوق على إنسان الـ 5 G

بقلم / سالي جابر
في زمنٍ أصبحت فيه السرعة شعارًا مقدسًا، لا يُقدِّر أحد السلحفاة… ذلك الكائن المتأني، الصامت، الواثق، والذي – للأسف – أصبح رمزًا للسخرية كلما تأخر أحدهم في إنجاز مهمة.
“يشتغل بسرعة سلحفاة!” يقولون باستخفاف، وكأنّ البطء جريمة. لكن هل سأل أحدهم: هل نحن، بسُرعتنا المفرطة، نعرف أصلًا إلى أين نذهب؟
السلحفاة تسير ببطء، نعم، لكنها تعلم هدفها، تركز، لا تُقاطع رحلتها كل خمس دقائق لتتفقّد إشعارات، ولا تصرخ فجأة: “أوه! نسيت أشحن بطاريتي!”
هي لا تحتاج بطارية أصلاً.
أما نحن؟
نركض في كل الاتجاهات، لا نصل، نفتح عشرة تطبيقات لنبدأ مهمة واحدة، نقرأ سطرًا من مقال، ثم ننتقل إلى فيديو لقطط ترقص، ثم نعلّق على بوست فيه شخص لا نعرفه يشتكي من حياته، فنواسيه ونحن لا نواسي أنفسنا!
نحن قوم يشتري كتب “التركيز العميق”، ثم نقرأ نصف المقدمة ونقول: “هنكمل بعدين!”… ولا نكمل.
سلحفاة واحدة تمشي على الأرض، تهزمنا جميعًا في معركة التركيز.
نحن من تحتاج هواتفنا إلى “وضع الطيران” لنفكر، بينما السلحفاة تطير بعقلها وهي تزحف.
نحن من نظن أننا نعيش أسرع، فننجز أكثر، بينما نحن فقط نشتّت أنفسنا أكثر.
نسابق الزمن، فننهي اليوم متعبين، مضغوطين، ونقول: “ما عملتش حاجة النهارده!”
لا تقلق، لم يفعلها أحد. حتى خرائط جوجل لم تعُد تعرف طريق التركيز.
السلحفاة لو نطقت، لقالت:
“أن تصل متأخرًا وأنت واعٍ، خيرٌ من أن تصل مبكرًا ولا تعلم لماذا أتيت!”
ففي زمن أصبحت فيه “الستوري” أهم من القصة، و”الإعجاب” أهم من الإنجاز… تظلّ السلحفاة تمشي في هدوء، وهي تضحك من أعماق قلبها.
لنتخيل معًا مشهد بين السلحفاة والإنسان التكنولوجي:
على صخرة وسط الطبيعة، السلحفاة قاعدة في هدوء تام. فجأة يدخل الإنسان مهرولًا، يترنّح بين إشعاراته.
الإنسان (متنفس بسرعة):
هاي! أنا جاي من آخر تحديث! بس لحظة، لازم أفعّل وضع الطيران علشان أقدر أركز معاكي… لا، استني، جاتلي رسالة! لحظة تانية بس… أوف!
(ينظر للسلحفاة)
أنتِ ليه مش متوترة؟ يعني إزاي قادرة تبقي ساكتة كده؟!
السلحفاة (بهدوء محبط):
أنا ساكتة لأن دماغي مش عامل داونلود لكل حاجة بتحصل في الكون.
مفيش عندي تقويم بيقول لي: “اشرب ميّة”، ولا نوتيفيكيشن يزعقلي: “يلا ننجز!”
الإنسان (ينظر في ساعته الذكية):
دي بتقيس لي معدل التنفس، ومعدل النوم، وعدد الخطوات، وضغط الدم، ومعدل التوتر… بس للأسف مفيش فيها خاصية تقول لي “أنت بتضيع وقتك”!
السلحفاة (تبتسم بسخرية):
لو كنت مكاني، كنت عملتلك تطبيق اسمه “تطبيق تَعَقّل”. أول ما تفتحه، يظهر لك وشّي ويقولك: “اهدأ يا بني آدم، الدنيا مش طايرة!”
الإنسان (يحاول يجلس ويتأمل):
طيب… أنا هجرّب أعيش زيّك النهاردة.
(يغلق الهاتف، يغمض عينيه)
آه، ما أحلى السكون…
(بعد ثانيتين، يفتح عينه فجأة)
استنى! أنا نسيت أفعّل الـVPN!
السلحفاة (تزحف بعيدًا وهي تتمتم):
يا ربنا، ده محتاج إعادة تشغيل مش جلسة تأمل…
في زمن التكنولوجيا، الكائن الوحيد اللي فاهم معنى الحياة… عنده درع على ضهره، وما عندوش واي فاي.