الأدب

زاوية من القلب: “دفء الغائبين”

 

بقلم السيد عيد
الغائبون لا يغادروننا كليًا، بل يختارون أن يُقيموا في أعماقنا بطريقة لا تراها العين، ولا يطالها النسيان. يرحلون بأجسادهم، لكن أرواحهم تترك على الأرصفة أثر خطاهم، وفي الزوايا البعيدة همس أصواتهم، وعلى أطراف الذاكرة ظلّ حضورٍ لا يخفت.

هل جرّبت أن تهبّ نسمة في لحظة سكون، فتأخذك إلى كفٍّ كانت تمسك بك يومًا بحنوّ؟ أو أن تمرّ كلمة عابرة، فتوقظ صوتًا كان يُنادينا، ثم صمت؟ إنهم هناك، في كل ما لم نقل، وما لم نُكمل، في فنجان القهوة الذي ما عاد بنفس المذاق، وفي المقعد الخالي الذي ما زال يحتفظ بابتسامتهم.

ولعلّ أول الغائبين سكنًا في القلب… هو من ربّى، وضمّ، وصبر، وسهر على تعبنا، من أعطى دون أن يطلب، وترك فينا ملامحه، صوته، ومبادئه. من غاب جسدًا، لكن دفئه ما زال يُشعل برد الأيام، وصوته ما زال يُنير عتمة الطريق.

في لحظات الإنهاك، حين تتوارى الوجوه، يظهر الغائبون من خلف السطور، يربتون على أكتافنا بخفّة الذكرى، يرمّمون ما كسرتْه الأيام، ويرحلون دون ضجيج. لا نراهم، لكن نشعر بطمأنينتهم تتسرّب إلينا كضوءٍ خافت في عتمة القلب.

في الزاوية التي لا يدخلها أحد، يقيم الغائبون كأنهم لم يغيبوا أبدًا. لا يُشعلون الحنين، بل يُهدوننا سكينة الوجود… ويُعلّموننا أن بعض الحُب، حين يغيب، يبدأ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى