فلسفة الحج

سامح بسيوني
تعيش الأمة الإسلامية أعظم أيام الدنيا؛ لأن أحب الأعمال إلى الله في تلك الأيام، فيأتي موسم الحج فيغرس فينا تقوى الله، ويضع المرء أمام دروس وعبر نستخلصها من فريضة الحج.
فالمتأمل في فلسفة الحج يجد الكثير من الدروس والعبر ومنها:
لباس الحاج نجد بأنه تجرد من الخيط والمخيط؛ إرضاء لرب العالمين، فهو يذكرنا بأكفان الآخرة وكأن هذا اللباس ينادينا ويقول لنا يا مَن: لبستم هذا اللباس بإرادتكم فغدًا تلبسونه رغمًا عن أنفكم.
وعندما نتأمل وندقق في هذا اللباس نجد بأنه لباس يدعونا إلى المساواة بين البشر فلا فرق بين غني وفقير ورئيس ومرؤوس ووزير وخفير فالكل عند الله سواء، إن أكرمكم عند الله أنقاكم.
وعندما يطوف الحجاج حول الكعبة لكل منهم دعواته وأمنياته ؛ فهم يطوفون حول بيت واحد ويستلمون حجرًا واحدًا فهذا نداء من الله بأنها أمة واحدة فربكم واحد وأباكم واحد وقبلتكم واحدة، وكأن الطواف يدعوا المسلمين في شتي بقاع الأرض إلى وحدة الأمة وعدم تفرقها يالها من أمنية تشدوا من بعيد تتمنى وحدة الأمة وعدم شتاتها والأعتصام بحبل الله المتين!
وعندما يتزاحم الحجاج حول ماء زمزم والشراب منه نتذكر يوم العرض الأكبر والشمس قد اقتربت من الرؤوس والإنسان يشعر بشدة العطش، وعندئذ يجد أنوار المصطفى -صلى الله عليه وسلم-؛ فيذهب إلى حوضه فيشرب من يديه الشريفة شربة لا يظمأ منها ابدًا،يالها من سعادة عظيمة يريدها كل مؤمن في هذا اليوم العصيب!
وعندما يسعى الحجاج بين الصفا والمروة نتذكر السيدة هاجر، وهى تسعى بين الجبلين؛ سعيًا على رزقها وحسن التوكل على ربها بعدما تركها الخليل إبراهيم؛ بأمر من الله في وادٍ غير ذي زرع عند البيت المحرم، فهى الٱن تجري هنا وهناك ؛خوفًا على وليدها إسماعيل من الهلاك، فيخرج ماء زمزم من تحت وليدها بقدرة العزيز القهار، وكأن السعي بين الصفا والمروة ينادي الأمة الإسلامية بأن تعيد حسن ظنها بربها بعدما توكلت على غير ربها فأصابها ما أصابها من بلاء وغلاء وأمراض؛ لأنها تركت التوكل على الله فهذه دعوة إلى السعي إلى الإنتاج إلى التقدم والازدهار في أمة نامت في سبات عميق.!
وعندما يأتي يوم عرفة فإنه يوم الغفران فيتجلى فيه الجليل بالغفران على عباده الصالحين، ولكن المتأمل في هذا اليوم نجد بأنه هو الركن الأعظم فبدونه يسقط الحج، فهو كربون مصغر من يوم القيامة وكأنه مشهد من مشاهد الأخرة فيه من التذكرة والعبرة.
ويأتي يوم النحر الأكبر، فهو تذكرة ليوم الفداء الأعظم؛ عندما مَن الرحمن على إسماعيل؛ إشفاقًا على قلب الخليل فكان الفداء بكبشٍ عظيم، إنه يوم العطاء يوم الرحمة على البائس والفقير، يوم التكافل الإجتماعي بين المسلمين.
ويأتي رمي الجمرات في أيام التشريق امتثالًا وخضوعًا؛ لأمر الله عز وجل وبيانًا من الله بأن العدو الأول للإنسان مع بداية الخليقة هو إبليس اللعين.
فهل من أمل أن يغرس فينا موسم الحج تلك الفلسفة العظيمة لتلك المناسك؟ ولا نكن كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون! فهل من أمل يشدوا من بعيد؟!