
كتبت: د. إيمان بشير ابوكبدة
لطالما عُرفت الميتوكوندريا بكونها مصانع الطاقة في الخلايا، لكن الأبحاث الحديثة تكشف عن أدوارها المتعددة التي تتجاوز توليد الطاقة بكثير. فقد أظهرت دراسة جديدة أن الميتوكوندريا تعمل كـ”أبراج مراقبة” في الجهاز المناعي، وتستشعر نشاط البكتيريا لمساعدة الخلايا المناعية على محاصرتها والقضاء عليها.
دور حاسم في الاستجابة المناعية
تعد العدلات (نوع من خلايا الدم البيضاء) خط الدفاع الأول للجسم، وتستخدم آلية فريدة تُعرف بـ مصائد العدلات خارج الخلية (NETs). هذه المصائد عبارة عن شبكات لزجة من الحمض النووي والبروتينات تمسك بالجراثيم وتمنع انتشارها.
كان العلماء يعتقدون أن هذه المصائد تتشكل استجابةً للإجهاد الخلوي، ولكن الدراسة الجديدة توصلت إلى أن الميتوكوندريا هي من يُطلق إشارة البدء. كيف يحدث ذلك؟
حوار بين الميتوكوندريا والبكتيريا
وجد الباحثون أن الميتوكوندريا تستشعر منتجًا ثانويًا معينًا تُفرزه البكتيريا يُسمى اللاكتات. عندما تبتلع العدلات البكتيريا، تقوم الميتوكوندريا داخل الخلية بالتقاط إشارة وجود اللاكتات. هذه الإشارة تُعتبر بمثابة تنبيه للخلية بأن آلياتها المضادة للبكتيريا ليست كافية، مما يدفعها لإطلاق مصائد العدلات خارج الخلية (NETs) لتحييد التهديد.
عندما قام العلماء بتعطيل قدرة الميتوكوندريا على استشعار اللاكتات، فشلت العدلات في إطلاق مصائدها بشكل فعال، مما أدى إلى هروب البكتيريا وتكاثرها. هذا يوضح الأهمية الكبيرة لهذا التفاعل في الدفاع المناعي.
تفسير جديد لمرضى الذئبة
تُقدم هذه الدراسة تفسيرًا محتملًا لسبب معاناة مرضى الذئبة الحمامية الجهازية من التهابات متكررة. فقد وجد الباحثون أن الميتوكوندريا في خلايا العدلات لدى هؤلاء المرضى لا تستشعر اللاكتات بشكل صحيح، مما يقلل من إنتاج مصائد العدلات. هذا الخلل في وظيفة الميتوكوندريا يُفسر سبب كونهم أكثر عرضة للعدوى البكتيرية، على الرغم من نشاط أجهزتهم المناعية بشكل مفرط.
آفاق علاجية واعدة
يفتح هذا الاكتشاف الباب أمام تطوير علاجات جديدة تستهدف وظيفة الميتوكوندريا. فمن الممكن أن تساعد الأدوية التي تُعزز قدرة الميتوكوندريا على استشعار اللاكتات في تقوية الاستجابة المناعية لدى الأشخاص الذين يعانون من ضعف المناعة.