بقلم / السيد عيد
فقدُ الأم والأب ليس حدثًا عابرًا، إنه زلزال يهزّ الروح حتى جذورها، ويتركك تائهًا بين الركام.
يمرّ العمر بعدهم، لكن قلبك يظل واقفًا عند تلك اللحظة، اللحظة التي سمعت فيها خبر الرحيل.
الفقد ليس فقط غيابهم عن مقاعد البيت، بل غياب دفء كانوا يمنحونه دون أن تشعر.
الأم هي أول وطن، صوتها كان أمانك، رائحتها كانت بيتك الحقيقي، دعاؤها كان حصنك في وجه كل شيء.
حين ترحل، تفقد إحساسك بالدفء حتى لو كنت محاطًا بألف شخص.
والأب… الأب هو عمودك الفقري، يرحل فينهار ما بداخلك قبل أن ينهار الخارج.
كان ظلك وظهرك، كان سندك الذي يمنحك يقين أن هناك من يواجه العالم قبلك.
برحيله تتعلم أن العالم مكشوف، وأنك صرت وحدك في مواجهة العواصف.
بعد رحيلهما، تصير الأيام متشابهة، وتفقد الأشياء طعمها.
لا تعود الضحكة كاملة، ولا الفرح خالصًا، لأن جزءًا منك غاب معهم.
حتى الأماكن تغيّرت، البيت الذي كان مليئًا بالضوء صار معتمًا، الكراسي التي كانوا يجلسون عليها صارت شاهدة على الغياب، وكأنها تبكي بصمت.
أصعب ما في الوجع أنه لا يشفى.
قد يهدأ قليلًا مع الوقت، لكنه يعود كلما شممت رائحة تشبه رائحتهم، أو سمعت دعاءً كانوا يقولونه، أو رأيت شخصًا يشبههم في الطريق.
الوجع يعود في الأعياد، في المناسبات، في لحظات الانكسار، في لحظات الفرح، في كل لحظة تقول فيها في سرك: “يا ريتكم هنا”.
بل وحتى حين يقسم لك أحدهم برحمتهم، تشعر أن قلبه قد لمس قلبك، وأنه أحبك بصدق، لأن الحلف بأرواحهم غالٍ كالحياة نفسها.
رحيل الأم والأب يعلمنا أن العمر مهما طال فهو قصير، وأن الحب الذي كان يُمنح لنا بلا مقابل هو أعظم ما نملك.
ويعلّمنا أيضًا أن نحمل وجعنا بصمت، لأن لا شيء سيعيدهم، لكن ذكراهم هي ما يمدنا بالقوة لنستمر.
