كتب / أحمد رشدي
في زحمة الحياة، وانشغال الإنسان بصراعه اليومي بين رغباته ومخاوفه، ننسى أن الله لا يزال يُحدّثنا، ولكن بلغاتٍ لا نُتقنها بعد.
فالله لا يُكلّم عباده فقط بالوحي والآيات،
بل يُحدّثهم بالقدر، ويُخاطبهم بالمواقف، ويُعلّمهم بالصدمات والفرح، بالعطاء والمنع، بالصحة والمرض، وبكل ما يمرّ عليهم من لحظات لا تفسير لها…
إلا لمن فتح قلبه وأصغى.
تأمّل حين تضيق بك السبل، ثم يُفتح لك بابٌ لم يخطر ببالك، أليس ذلك «حديثًا إلهيًا» يقول لك: أنا معك وإن نسيتني؟
وحين تُؤخّر عنك نعمة طال انتظارها، أليس ذلك نداءً خفيًا: اصبر، فإن ما عندي خيرٌ لك؟
بل حتى عندما يُحبسك القدر عن طريقٍ كنت تظنه خلاصك،
فربما هو صوت الله يمنعك من الهلاك وأنت لا تدري.
الله يتحدث، ولكن بلغة الصبر، وبأبجدية الابتلاء، وببلاغة الانتظار.
والمؤمن الحقيقي ليس من يسمع الكلمات، بل من يفهم الإشارات.
إن أعظم خسارة في حياة الإنسان ليست أن يفقد مالًا أو جاهًا أو حبيبًا…
بل أن يفقد حسّه الإيماني الذي يترجم له رسائل السماء.
فإذا توقّف قلبك عن الإصغاء لنداء الله في داخلك،
فقد توقفت عن الحياة، وإن ظلّ جسدك يمشي على الأرض.
قال أحد العارفين:
“ما من حادثة تمرّ بك إلا وفيها رسالة من الله، فاقرأها بعين القلب، لا بعين الجسد.”
فليتك – في كل مرة تتألم فيها – تسأل نفسك:
هل هذا الألم صدى لحديثٍ لم أُصغِ إليه؟
وهل هذا التأخير في رزقي أو شفائي أو راحتي…
دعوة لأقترب أكثر ممن بيده الأمر كله؟
الله لا يصرخ في وجه عباده،
لكنه يُرسل إليهم رسائل بالقدر…
فمن لم يسمعها طائعًا، سيسمعها موجوعًا.
فلنُجيد الإصغاء قبل أن ترفع الرسالة صوتها.
