بقلم : أحمد المسلماني
لستُ ممن يخفون الحقيقة وراء قميصٍ واسع…
بل أقولها صريحة، فاقعة، كضوءٍ لا خجل فيه
أنا رجلٌ يعشق كَرْشَه. نعم أعشقه. أحتفظ به كما يحتفظ العابد بتميمته، وأدلّله كما يُدلَّل طفلٌ وُلد في ليلةٍ من ليالي الوصال. وكلما مررتُ أمام المرآة، أتحسّسه بوقارٍ لا يليق إلا بكبار السن حين يربّتون على أثوابهم قبل مقابلة القضاء.
الناس كما هي عادتهم القديمة لا يعجبهم شيء.
يقهقهون، يتهامسون، يظنون أن الكرش علامةُ كسلٍ أو شهادةُ إهمال.
ولا يعرفون أن في هذا الكرش تاريخًا كاملًا من السعادة.
فمنذ طفولتي، كان يأكل قبلي ويتخَم عني.
يتلقّى الصدمات قبل أن تصل إلى قلبي،
ويتمدد برحمةٍ كلما ضاقت بي الحياة، كأنما يُخبرني:
“اهدأ صدري أوسع مما تتصور.”
وما أدهشني حقًا أن كَرْشي رغم اتّساعه لم يتبرّم يومًا من تعليقات الناس، ولم يُحاول الهروب من قميصي كما يفعل كثيرون حين يسأَمون صحبة صاحبهم.
بل كان يقف معي ثابتًا، صبورًا، كجنديٍّ بدين يحرس بوابةً مهجورة.
لطالما تخيّلت أن داخله أريكة صغيرة يجلس عليها رجل آخر يشبهني، يقرأ جريدة الأمس ويحتسي الشاي، غير متعجّل لأي شيء في الدنيا. وربما لهذا السبب يعشقني كَرشي وربما لهذا أبادله العشق ذاته.
أصدقائي، أولئك الذين يطاردون اللوك المثالي، يقيسون خصورهم كما يُقاس الخوف، ويعدّون أنفاسهم قبل اللقمة.
أما أنا فكنت وما زلت رجلًا يفاوض الحياة على راحته، ويمنح بطنه الحرية التي حُرم منها العالم.
ولتعرفوا الحقيقة كاملة
الكرش ليس مجرّد لحمٍ زائد.
إنه موقف فلسفي.
إعلانٌ بسيط بأنني لا أركض خلف أحد.
ولا أُطارد وهمًا في مرآةٍ ضيقة.
ولا أسمح لأحد أن يقرر كيف يجب أن أبدو
فلتضحكوا كما شئتم
أنا أحب كَرْشي،
وهو على خلاف كثيرين
لم يخنّي يومًا، ولم يتركني واقفًا في منتصف الطريق.
إنه أثمن ما ورثته من نفسي
وربما الوحيد الذي سيظل معي إلى أن تسترد الأرض ما أخذت.
