كتبت: د. إيمان بشير ابوكبدة
في عالم يبدو فيه الجميع ناضجين ومسؤولين، يظهر فجأة الرجل الطفل، ذلك الكائن الغريب الذي لا يكبر أبدًا رغم مرور السنين. رجل بالغ في السن، ولكن قلبه ومزاجه يصرّان على البقاء في مرحلة الطفولة: يزعل من أبسط الأمور، ويتوقع أن يكون كل من حوله تابعًا لأوامره الصغيرة والكبيرة على حد سواء. مع الرجل الطفل، كل يوم يبدو وكأنه تحدٍ جديد للصبر، وكل موقف تافه يتحول إلى مأساة كونية!
ربما تظن أن هذه شخصية نادرة، لكنها أكثر انتشارًا مما تتخيل. تجد الرجل الطفل في البيت، في العمل، وحتى في المناسبات الاجتماعية، ينقل العالم إلى ملعب صغير حيث هو اللاعب الوحيد الذي يجب أن يُسمع صوته وتُلبّى مطالبه.
صفاته الشهيرة
الانفعال عند أقل شيء
لم يُحضَّر الشاي في الوقت المناسب؟ لم تُضع الوسادة في المكان الصحيح؟ فورًا ينفجر الزعل، وكأن العالم كله ارتكب جريمة في حقه. أحيانًا يبدو أن مجرد “تغيير درجة الحرارة في التكييف” يمكن أن يؤدي إلى كارثة عالمية!
حب الأوامر والسيطرة
الرجل الطفل لا يكتفي بالنصائح، بل يصدر أوامر قصيرة وكأنها قوانين كونية، من “ضع الوسادة هنا” إلى “اقطع التفاحة بهذه الطريقة”. والغرابة أن هذه الأوامر غالبًا ما تكون بلا سبب منطقي، لكنها يجب أن تُنفذ فورًا.
الدموع والتذمر كمهارة
يستطيع التبديل بين البكاء الصامت، التذمر الطويل، والانفجار الغاضب في غضون دقائق معدودة، كل ذلك مع وجه بريء يبدو وكأنه بريء من كل شيء. أحيانًا تجده يلمس قلبك فتشعر بالذنب، حتى وإن كان السبب فقط أنه لم يجد سرواله المفضل.
تجاهل المسؤولية
كل ما يتعلق به يتحول إلى واجب شخص آخر، فهو يعتقد أن الكون كله مُصمَّم لينفذ مزاجه بدقة. غياب المسؤولية عنده يجعل أي مشروع أو مهمة معقدة أشبه بمحاولة دفع جدار صلب نحو الأمام.
التمسك بالمزايا الطفولية
يحب المكافآت الصغيرة، كالشوكولاتة أو القهوة المثالية، كأنها وسيلته للسيطرة على العالم. وحتى الهدايا البسيطة تصبح “رموزًا كونية” يجب تقديمها بطريقة معينة وفي الوقت المناسب.
كيف تتعامل معه في الحياة اليومية
التظاهر بالطاعة الكاملة: أحيانًا أفضل طريقة لتجنب الانفجار هي التظاهر بتنفيذ كل أوامره، مهما كانت سخيفة. إذا قال: “ضع الوسادة بهذا الاتجاه”، ضعها حتى وإن كنت ستضحك سرًا على جديته.
تجاهل الزعل الصغير: الرجال الأطفال يحبون الدراما، فكلما تجاهلتَ زعلهم التافه، زادت فرص هدوئهم في النهاية. تجاهلهم لا يعني التقليل من شأنهم، بل يعني الحفاظ على سلامتك العقلية.
التفاوض مع القوى الخارقة للطفل: لا بأس بمنحه مكافأة صغيرة أحيانًا؛ كوب القهوة، قطعة الشوكولاتة، أو ابتسامة مدروسة يمكن أن تهدئ العاصفة.
الصبر.. ثم الصبر.. ثم الصبر: التعامل مع الرجل الطفل يشبه التعامل مع قنبلة دقيقة، تحتاج إلى هدوء وذكاء لتفادي الانفجار المفاجئ.
التعامل مع الرجل الطفل في العمل
الرجل الطفل لا يختفي عند دخول المكتب؛ بل يستمر في فرض قواعده الطفولية على الجميع. إليك بعض الطرق الساخرة للتعامل معه في بيئة العمل:
التقسيم الواضح للمهام
حدد مهامك بدقة وتجنب الخوض في تفاصيل “أوامره العشوائية”. أعطه شعورًا بأنه يتحكم، بينما أنت تدير الأمور بذكاء من خلف الكواليس.
التفاوض على المكافآت الصغيرة
التحفيز التقليدي قد لا يجدي نفعًا معه، لكن “ملصق شكر صغير”، “كوب قهوة مميز”، أو “إشارة تقدير علنية” يمكن أن تُرضيه مؤقتًا وتخفف من نوبات الزعل المفاجئة.
تجنّب الجدال المباشر
الجدال معه أشبه بمصارعة أعاصير: لا جدوى منه. استخدم كلمات مرنة مثل: “ربما…”، “لنجرّب…”، “ما رأيك لو…”. هكذا يشعر بأنه صاحب القرار، بينما الأمور تسير كما تريد.
وضع حدود ذكية
لا تسمح له بالتحكم الكامل في مواعيدك أو مهامك. الرجل الطفل يحتاج لتعلم أن بعض القواعد في العمل ليست قابلة للتفاوض، وإن فعل، فستكون بحكمة وسخرية لطيفة تحفظ الكرامة والهدوء.
التسجيل الذهني لمزاجه اليومي
حاول ملاحظة أنماط انفعاله: هل يزعل صباحًا دائمًا؟ هل يتحسن بعد تناول وجبة خفيفة؟ معرفة توقيتات “العواصف الطفولية” تساعدك على التخطيط بشكل أفضل لتجنب اصطدامات غير ضرورية.
استخدام الدعابة بحذر
بعض الرجال الأطفال يزدهرون مع الدعابة الخفيفة، بينما البعض الآخر قد يزيد غضبهم. استخدم السخرية بطريقة ذكية لتخفيف التوتر، كأن تقول: “ربما تحتاج إلى وسادة احتياطية للغضب اليوم”.
الصبر الاستراتيجي
الرجل الطفل في العمل يشبه قيادة سفينة وسط عاصفة طفولية؛ يحتاج منك إلى صبر لا حدود له وأحيانًا إلى مهارات التملص الذكية لتفادي انفجاراته الغاضبة أمام الفريق أو المديرين.
الرجل الطفل والعلاقات الشخصية
الرجل الطفل لا يقتصر تأثيره على العمل أو البيت فقط، بل يمتد إلى كل علاقاته الاجتماعية:
في الأسرة: غالبًا ما تكون الزوجة أو الشريك هو “مدرب الطفولة الدائم”، يحاول تهدئة العواصف والتفاوض على المكافآت اليومية.
في الأصدقاء: يميل إلى فرض قواعد لعب خفية، ويغضب إذا لم تتبعها بالضبط، حتى في أصغر الأمور مثل اختيار المطعم أو ترتيب المقاعد.
في المناسبات الاجتماعية: يمكن أن تتحول جلسة بسيطة إلى سلسلة من “القواعد والمطالب”، مع دراما مستمرة حول تفاصيل لم يخطر ببال أحد من قبل.
