كتبت: سالي جابر- أخصائية نفسية
نشرت جامعة لوند السويدية في 20 نوفمبر 2025 دراسة علمية أثارت اهتمام الأوساط النفسية والطبية، بعد أن كشفت عن تفوق المقابلات الحوارية المدعومة بالذكاء الاصطناعي على المقاييس النفسية التقليدية المستخدمة في تشخيص الاضطرابات الذهنية.
الدراسة شملت 303 مشاركين لديهم تشخيصات نفسية سابقة، تضمنت اضطرابات شائعة مثل القلق والاكتئاب والوسواس القهري واضطراب ما بعد الصدمة واضطرابات الأكل واضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD) والتوحد واضطرابات تعاطي المواد.
اعتمد الباحثون على إجراء مقابلة قصيرة تفاعلية مع أداة ذكاء اصطناعي تُدعى Alba، تضمنت من 15 إلى 20 سؤالًا مفتوحًا، صُممت لاستكشاف الأعراض النفسية بطريقة تدريجية. وبعد انتهاء المقابلة، تولّت الخوارزمية توليد تشخيص مبدئي وفقًا لمعايير DSM-5، وهو الدليل التشخيصي الأكثر اعتمادًا في الطب النفسي.
وفي الوقت نفسه، استخدم المشاركون مقاييس تقييم تقليدية (rating scales) تُعد من الأدوات الأساسية في التشخيص السريري. ثم قارن الباحثون بين نتائج هذين النهجين.
تفوق واضح للذكاء الاصطناعي
أظهرت النتائج أن المقابلة الذكية حققت موافقة أعلى مع التشخيص الفعلي في 8 من أصل 9 اضطرابات، مقارنة بالمقاييس التقليدية. كما تمكنت الأداة من التمييز بدقة أكبر بين اضطرابات متقاربة مثل القلق والاكتئاب، والتي غالبًا ما تُظهر المقاييس التقليدية تشابهًا كبيرًا بينهما.
تجربة استخدام إيجابية للمشاركين
المشاركون وصفوا تجربتهم مع المقابلة الآلية بأنها «ملائمة» و«داعمة»، مشيرين إلى أن التفاعل كان أكثر سلاسة وأقل ضغطًا من ملء الاستبيانات المطولة.
خطوة نحو مستقبل التقييم النفسي
تؤكد الدراسة أن أدوات الذكاء الاصطناعي قد تصبح مكمّلًا مهمًا للعمل السريري، وليست بديلًا للأخصائي النفسي، لكنها قد تسهم في رفع كفاءة التشخيص وتوفير الوقت وتحسين الوصول إلى خدمات الصحة النفسية.
وتفتح هذه النتائج الباب أمام تطوير أنظمة تقييم أكثر دقة ومرونة، خصوصًا مع ازدياد الحاجة إلى أدوات سريعة تواكب نمو الاضطرابات النفسية عالميًا.
وقال البروفيسور سفيركر سيكستروم، أستاذ علم النفس في جامعة لوند وقائد فريق البحث ومؤسس شركة Talk To Alba:
“إجراء مقابلة يمكن تنفيذها في بيئة منزلية آمنة قبل مقابلة الأخصائي له قيمة كبيرة. وتشير النتائج إلى وسيلة قابلة للتوسع، تتمحور حول الشخص، يمكنها تخفيف العبء عن الرعاية الصحية وتقديم تقييم أولي — دون أن تحل محل الطبيب أو الأخصائي النفسي.”
نقد علمي للدراسة:
1- عينة محدودة نسبياً — 303 مشاركين رغم أن 303 عدد جيد، لكنه ليس ضخم جدًا مقابل تنوّع اضطرابات نفسية كثيرة؛ قد لا يكون كافٍ لضمان تعميم النتائج على كل الفئات العمرية، الخلفيات الثقافية، ومستويات شدّة الاضطراب.
2- اعتماد على تشخيصات سابقة (self-reported clinician-diagnosed disorders) أي أن الدراسة لم تشخّص الحالات لأول مرة، بل أخذت حالات كان قد شُخّصت من قبل. هذا يعني أن “الضبط الذهني” للدقة قد يعتمد جزئيًا على التشخيص السابق وليس إعادة تقييم مستقل.
3- غياب/fuzziness في كيفية تعامل الذكاء الاصطناعي مع الظواهر غير لغوية أو غير قابلة للطرح بالكلام أدوات مثل الذكاء الاصطناعي تعتمد على ما يقوله المشارك. كثير من الجوانب النفسية (نبرة الصوت، تعابير الوجه، لغة الجسد، التاريخ النفسي العميق) قد لا تُلتقط بالكامل من مقابلة عبر نص/صوت/نصيحة.
5- (ثقافة/لغة/سياق الاختبار ) قد لا تعكس مجتمعات متنوعة؛ الدراسة تمت ببيئة (غالبًا في أوروبا) النتائج قد تختلف إذا نُفِّذت في ثقافات، لغات، بيئات اجتماعية مختلفة (مثلاً في مصر أو الشرق الأوسط).
6 – إمكانية تحيّز الخوارزمية (algorithmic bias) أي نظام ذكي يعتمد على بيانات تدريب، وقد يكون مميَّز تجاه أنماط لغوية أو ثقافية معيّنة — هذا قد يؤثر على دقة التشخيص عند تطبيقه في سياقات مختلفة.
7- مسألة الخصوصية و الأخلاق: استخدام AI في الصحة النفسية يفتح تحديات متعلقة بخصوصية المريض، حماية البيانات، مسؤولية التشخيص الخاطئ، والحاجة لرقابة إنسانية دائمًا.
