بقلم: أحمد رشدي
تعودتُ أن أقود قلمي،
ولم أتخيّل يومًا أن يقودني.
يأبى كتابة أحزاني،
ولا يُسقط كلماتي على الورق.
يأبى الرضوخ أو التنازل أو الحوار…
يتجنبني،
يُخفي عني ثورته،
ويخفي عني عدم انصياعه،
يهرب من الصراع،
ويخشى المواجهة.
ما زال قلمي ثائرًا…
يعصي أوامري،
ولا يكتب إلا كلماته،
وأراه وقد خبّأ عني الحروف،
وأضاع معنى الكلمات.
أيّها القلم، لِمَ الوجع؟
وقد فاضت بي الأحزان،
وانهمرت دموعي،
ألا تمنحني فرصةً ،
أصوغ بها الجراح على ورقي؟
ألا تتركني أعبّر ولو لبرهة عن أحزاني؟
ألا ترحم كاتبًا ليس له إلا الحروف والأوجاع؟
ألا يحزنك أن تغدو كلماتي بلا مأوى؟
ألا ترحم كلماتٍ لم يعد لها معنى؟
ألا تنصاع لرفيق عمرٍ ،
أفنى حياته بينك وبين الورقة؟
أما زلتَ ثائرًا؟
أما تعلم كم نزف القلبُ وعاني؟
أما ترى الجرحَ واللهفة والأحزانَ؟
أيا أيّها القلم…
أحببتُ رقّتك،
وانسيابك على الورق،
يا مَن ائتمنتُه على أفكاري وأسراري ووجعي…
أراك وقد آلمتك الكلمات،
وأتعبتك الجروح،
وأحزنتك الليالي،
وأرّقتك الحروف.
أراك يا قلم… وأشفِق عليك،
وأعلم أن ليلي الطويل قد أبكاك.
فَعذرًا يا قلم…
فليس الأمرُ بيدي.
لكنّي رغم ثورتك ما زلت أبحث فيك عن بصيص نجاة،
أُقلّبك بين أصابعي كمن يبحث عن وطنٍ ضاع منه،
وأرجوك أن تكتب…
أن تنطق… أن ترحمني.
غير أنّك تبقى صامتًا،
تحدّق في ورقي كما لو أنك تعاتبني،
وكأنك تقول:
“ما عاد في الحبر متّسع لوجعك…
“وما عاد للورق طاقة أن يحتمل ألمك.”
فأخفض رأسي،
وأدرك متأخرًا…
أنّ الذي ثار ليس أنت”
بل أنا…
وأنّ الحروف التي أرجوك أن تكتبها
هي نفسُها التي قتلتني يومًا بعد يوم.
أُغلق دفتري،
وأُطفئ آخر ضوءٍ في الليل،
وأترك قلمي على
الطاولة…
علّه يرتاح منى
غير أنّي قبل أن أغفو
أسمع صوته يهمس في العتمة:
“اكتب انت
… فقد بكيت نيابةً عنك
ما يكفي،
ولم أعد أحتمل
البكاء…
