بقلم: أحمد رشدي
في واقعة تبدو وكأنها خرجت من أحد السيناريوهات الساخرة،
وجدت موظفة شابة في مدينة أليكانتي الإسبانية نفسها خارج أسوار شركتها ليس لأنها تأخرت عن الدوام أو قصّرت في مهامها،
بل لأنها كانت تصل إلى العمل مبكرًا، مبكرًا جدًا، على حد تعبير الإدارة.
فالشابة اعتادت الظهور عند باب الشركة بين السادسة والنصف والسابعة صباحًا،
في حين أن عقدها ينص بوضوح على أن يومها المهني يبدأ في السابعة والنصف فقط.
ما اعتبرته هي انضباطًا واستعدادًا مبكرًا، رأته الإدارة نوعًا من العبث بالنظام الداخلي وخلق حالة من الفوضى غير المبررة.
القصة بدأت في عام 2023 عندما تلقت الموظفة أول تحذير رسمي يطالبها بالالتزام بوقت الحضور المحدد.
لكنها أصرت على التمسك بعادتها الصباحية، وكأنها تحارب من أجل حق غير مُعلن في العمل دون تكليف. الإدارة من جانبها لم ترَ في هذا السلوك سوى تحدٍ متكرر للتعليمات،
خاصة أنه لا توجد مهام قبل السابعة والنصف، ما يعني أن وجودها المبكر لم يكن يقدم أي قيمة مضافة للشركة، بل كان يربك سير العمل ويخلق حساسيات داخل الفريق.
ومع تزايد الاحتقان، جاء القرار الحاسم من المدير فصل نهائي بتهمة سوء سلوك جسيم يمس الثقة والولاء.
قرار بدا لكثيرين مبالغًا فيه، لكنه لم يكن النهاية فالموظفة لجأت إلى المحكمة، واثقة بأن العدالة ستنصفها.
المفاجأة أنها تلقت صدمة مضاعفة عندما رفضت محكمة أليكانتي الاجتماعية طعنها بالكامل، وأكدت أن إصرارها على تجاهل التحذيرات يمثل عصيانًا مهنيًا واضحًا يبرر الإقالة.
الحكم شدد على أن الالتزام بوقت العمل ليس مجرد ترتيب إداري بل أساس من أسس العلاقة الوظيفية السليمة، وأن أي خروج متكرر عنه، حتى لو بدا إيجابيًا، يمكن أن يضرب الثقة بين الطرفين في الصميم.
القضية أثارت موجة من الجدل في إسبانيا وخارجها، لأنها تكسر الاعتقاد الشائع بأن الحضور المبكر فضيلة مهنية مطلقة.
والحقيقة التي كشفتها هذه الواقعة هي أن الانضباط لا يعني التواجد قبل الآخرين، بل احترام الإيقاع الذي ينظم العمل ويضمن انسجام الفريق.
إنها قصة تكشف جانبًا خفيًا من بيئات العمل الحديثة ليس كل ما يبدو إيجابيًا يُعتبر كذلك،
وأحيانًا قد يقودك الاجتهاد في غير موضعه
إلى باب الخروج.
