كتب م / رمضان بهيج
الجزء الثالث
فطرة الأمان والبحث عن الغصن القوي: درس من مملكة الطبيعة
تُقدِّم لنا مملكة الطبيعة دروسًا بليغة في البقاء، ولعل أبسطها وأكثرها عمقًا هو سلوك القرد الذي يختار بحكمة فطرة الغصن القوي ليصعد عليه. هذا السلوك، المُتجرِّد من التعقيد البشري، هو جوهر البحث عن الأمان و الاستدامة. فإذا كان القرد يبحث عن دعامة مُوثوقة لإنقاذ حياته، فمن باب أولى أن يكون الإنسان، الموهوب بالعقل والإرادة، أسوةً له في سعيه نحو تأسيس حياة مستقرة ومبنية على أسس صلبة.
إنَّ الغصن القوي في حياة الإنسان يُمثِّل الأسس السليمة والمستدامة: العمل الشريف، التخطيط المُحكَم، الأخلاق القويمة، والجهد الأصيل. لكننا نرى الكثير من البشر يختارون أغصانًا ضعيفة وواهية، تُغريهم بسرعة الوصول، لكنها لا تملك القدرة على حمل ثقل طموحاتهم ووجودهم.
أغصان الوهْم والسقوط الحتمي
التحذير الأول يكمن في الأغصان الضعيفة المُغرية بالحلول السريعة، والتي تُعدّ مسارات مُضلِّلة تؤدي إلى السقوط المدوِّي:
غصن المُخدِّرات والإدمان: يراه البعض هروبًا أو سعادةً سريعة ومُصطنعة، لكنه يتحول بسرعة من غصن إلى هاوية من المرض والضياع، لأنه مُجرَّد وهم لا يقوى على حمل الواقع.
غصن المكاسب السريعة غير المشروعة: السعي نحو الثراء الفاحش عبر الغش والطرق الملتوية يوفر مكاسب عاجلة، لكنه يفتقر إلى جذور الاستمرار. ومع أول اختبار قانوني أو أخلاقي، ينهار هذا الغصن مُخلِّفًا وراءه الخسارة والسمعة المُنتهكة.
المتسلقون على أكتاف الغير: غصن مستعار لا يدوم
أما أخطر أشكال الاعتماد على الغصن الضعيف، فهو التسلق على أكتاف الآخرين، وادّعاء الإنجازات التي لم تُصنع بجهد ذاتي. هؤلاء “المتصدرون بالادّعاء” يستغلون عرق زملائهم أو إبداعاتهم، ثم ينسبون الفضل لأنفسهم ليحصدوا الترقية أو الثناء.
هذا السلوك يُنشئ وهم القوة والقيادة، لكنه يفتقر إلى الأصالة التي هي أساس الثبات:
هشاشة الإنجاز: القوة المكتسبة من مجهود الغير هي قوة مُستعارة. فمتى ابتعد صاحب الجهد الأصيل، ينكشف عجز المدَّعي عن تطوير الفكرة أو الدفاع عنها بعمق. فكما ينهار الغش الأكاديمي عند أول مساءلة، ينهار “المدير المُتسلِّق” عندما يُطالَب بتقديم خطوة تالية مبنية على جهده الخاص.
ثمن السقوط: ثمن هذا التسلق ليس ماديًا فحسب، بل هو فقدان الاحترام والثقة؛ فسقوط المدَّعي يكون مُضاعفًا، لأنه يسقط من وهم القمة إلى واقع العجز، ويفقد في طريقه الدعم والتقدير من زملائه الذين شعروا بالظلم.
العودة إلى الأصالة: بناء غصن من الجذور
إنَّ درس القرد لا يقتصر على اختيار الدعامة، بل هو دعوة للاستثمار في القوة الذاتية والمستدامة. فبدلًا من السعي وراء الأغصان الوهمية، يجب على الإنسان أن:يستثمر في الجذور: بناء غصنه الخاص عبر التعليم الحقيقي، والعمل الدؤوب والمشروع، والادخار المسؤول، فهذا هو الغصن الوحيد الذي ينمو باستمرار ولا ينكسر تحت الضغط.
يتبنى الأصالة والنزاهة: الإنجاز الأصيل هو وحده القادر على حمل وزن المستقبل. النزاهة في التعامل والاعتراف بفضل الآخرين هي بحد ذاتها علامات على قوة القيادة والثقة بالنفس، وليست ضعفًا.
في الختام، يجب أن تكون الأمانة والجهد هما الغصن الذي نختاره. فالحياة لا تمنح القوة الدائمة لمن يبحث عنها في غصن شخص آخر أو في طريق مُلتوٍى. التسلق الآمن والمُستدام هو الذي ينبع من الجهد والصدق، لضمان رحلة ثابتة ومُثمرة نحو القمة الحقيقية.
