الكاتب: محمد فوزي القماش
بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، الموافق 18 ديسمبر 2024، والذي طالبت باعتماده كلٌّ من المملكة المغربية والمملكة العربية السعودية عام 1973، وافقت الأمم المتحدة على الاعتراف باللغة العربية لغةً رسمية من لغاتها.
وتُعد اللغة العربية إحدى اللغات السامية القديمة، ومن أكثر لغات العالم انتشارًا، إذ يتحدث بها مئات الملايين في مختلف أنحاء العالم العربي وخارجه. وهي لغة ذات مكانة خاصة، لما تحمله من إرث أدبي وثقافي عريق، وما تزخر به من مفردات وتراكيب تعبّر عن الجمال والعمق والدقة في آنٍ واحد.
وتحتل اللغة العربية المرتبة الثالثة عالميًا من حيث عدد المتحدثين بها، لكنها تأتي في الصدارة من حيث ثراء المفردات، إذ يبلغ عدد مفرداتها نحو 12,302,912 (اثني عشر مليونًا وثلاثمائة واثنين وتسعين ألفًا واثني عشر) كلمة غير مكررة. وتأتي بعدها اللغة الفرنسية بنحو 150 ألف مفردة، ثم اللغة الروسية بحوالي 130 ألف مفردة، بينما تضم اللغة الإنجليزية – وهي الأكثر انتشارًا عالميًا – ما يقارب 600 ألف مفردة فقط، وهو ما يؤكد شمول اللغة العربية وكمالها وثراءها الفريد.
ولعظمة هذه اللغة، خاطبنا الله سبحانه وتعالى بها في كتابه الكريم، فهي لغة القرآن، ولغة أهل الجنة. كما تتميز العربية بجمال ألفاظها ودقة معانيها، ومن أجمل كلماتها:
نيف: وتعني الزائد على غيره.
الديجور: ويعني الظلام.
المتن: ويعني الصميم والصلب.
خضم: ويعني الجمع الكثير.
حيف: ويعني الظلم والجور.
الأبلق: ويعني اللون الأبيض الذي يخالطه سواد.
أروى: وتعني أنثى الوعل.
أفل: وتعني غاب واختفى.
وتعج اللغة العربية بمثل هذه الكلمات والتعابير الدقيقة التي لا نظير لها في كثير من لغات العالم. ويبلغ عدد حروف اللغة العربية 28 حرفًا، مقابل 26 حرفًا في اللغة الإنجليزية. غير أن الحروف العربية ثابتة، بينما تحتوي الإنجليزية وبعض لغات الغرب على حروف متحركة (a, e, i, o, u) تُستخدم للتعبير عن الحركات الصوتية، في حين أن العربية تتميز بنظام التشكيل والإعراب، حيث تُعبَّر الحركات عن طريق علامات توضع على الحروف، لا حروف مستقلة، فضلًا عن الشدة التي تعادل تكرار الحرف مرتين في اللغات الأخرى، وغيرها من الخصائص التي تحتاج إلى دراسات وأبحاث مطولة.
ولهذا كله، تُعد اللغة العربية من أشمل وأجمل لغات العالم على الإطلاق، غير أن المؤسف حقًا أن أهلها قد أهملوها. فنجد بعض المذيعين والمذيعات يخلطون حديثهم بكلمات أجنبية غريبة عن لغتنا، في مشهد يسيء إلى الهوية واللسان العربي. وعلى النقيض، تظل قناة النيل الثقافية مثالًا يُحتذى به في الحفاظ على اللغة العربية من خلال مذيعيها ومذيعاتها.
كما أن انتشار أسماء المحلات التجارية والنوادي والدوريات الرياضية باللغات الأجنبية يُعد أمرًا مؤسفًا، بل عيبًا في حق لغتنا. فهل تسمية الدوريات أو الأندية بأسماء إنجليزية يحقق لها رواجًا حقيقيًا؟ ولماذا يصر بعض المثقفين والعامة على كتابة أسمائهم بالإنجليزية على مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وواتساب؟ ولماذا هذا التدني؟
وقد عبّر شاعر النيل حافظ إبراهيم عن هذه المأساة حين دافع عن اللغة العربية التي ظلمها أهلها، فقال:
وسعتُ كتابَ اللهِ لفظًا وغايةً
وما ضِقتُ عن آيٍ به وعِظاتِ
فكيف أضيقُ اليومَ عن وصفِ آلةٍ
وتنسيقِ أسماءٍ لمخترَعاتِ
أنا البحرُ في أحشائه الدرُّ كامنٌ
فهل سألوا الغوّاصَ عن صدفاتي؟
وفي الختام، نرجو أن نولي لغتنا العربية الاهتمام الذي تستحقه، وأن يتحمل كل فردٍ منا مسؤوليته في الحفاظ عليها والدفاع عنها والتحدث بها ما أمكن. ولماذا لا يتم إنشاء هيئة قومية للغة العربية تُعنى بحمايتها وصونها والدفاع عنها؟
أتمنى أن يتحقق ذلك قريبًا، بإذن الله.
