متابعة عبدالله القطاري من تونس
لم يعد الإحساس بالعظمة والتفوّق على الآخر مجرّد سلوك فردي، بل تحوّل إلى حالة عامة تسلّلت إلى وعي قطاعات واسعة من المجتمعات العربية، من المغرب إلى مصر، مرورًا بتونس وليبيا. حالة تُغذّيها أوهام التفوّق، وتعوّض بها الشعوب عجزها عن مواجهة واقعها السياسي والاقتصادي والمعرفي.
في عالمٍ لا يحترم إلا التكتلات الكبرى، ما زلنا نُبدع في الانقسام. نُخاصم بعضنا شرقًا وغربًا، شمالًا وجنوبًا، وكأنّ الصراع بيننا قدر، لا نتيجة مباشرة لفشلٍ مزمن في بناء مشروع عربي عقلاني جامع.
وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها فيسببوك، لم تصنع هذه الأزمة، لكنها وفّرت لها مسرحًا مفتوحًا. أخبار محرّفة، روايات مبتورة، وعناوين مثيرة يتداولها من لا يتحقّق، ويُضخّمها من يبحث عن دور، ويستثمرها من يعيش على الفتنة. حادثة فردية تُحوَّل في ساعات إلى مؤامرة، ووفاة طبيعية تُقدَّم كجريمة جماعية
قضية وفاة المواطن الجزائري في تونس مثال فاضح على هذا الانحدار. حقيقة واضحة جرى تشويهها عمدًا لإشعال غضبٍ متبادل، دون تفريث لمعرفة الحقيقة من المصادر الرسمية؟ فخرجت أصوات تطالب بقطع العلاقات، وأخرى توزّع اتهامات جماعية، وكأنّ الشعوب أصبحت تُحاكم بعضها بمنطق القطيع لا بمنطق الدولة والعقل.
المقلق أنّ خطاب التحريض لم يكن أحادي الاتجاه. وُجد في كلّ الأطراف، ما يؤكّد أنّ الخلل ليس في جنسية أو بلد، بل في عقلٍ عربي مأزوم، يهرب من أزماته الحقيقية نحو عدوّ وهمي أقرب إليه: أخوه.
إنّ الأمم لا تسقط حين تختلف، بل حين تفقد قدرتها على التمييز بين الخطأ الفردي والجريمة الجماعية، وبين النقد المشروع والتحريض الأعمى.
ويا ويح أمة تُدار بعواطف الجماهير، لا بوعيها، وتُقاد بالضجيج، لا بالعقل.ٕ؟
المهذار.
