بقلم إيمان دويدار
كانت أخلاقنا زمان تمشي على مهل، لا تزاحم أحدًا، ولا ترفع صوتها، لكنها كانت تُسمَع وتُرى وتُحَسّ. كانت تسكن البيوت قبل أن تسكن القلوب، وتظهر في التحية قبل الكلام، وفي الفعل قبل الوعد. لم تكن الأخلاق درسًا نلقّنه لأبنائنا، بل حياةً نعيشها أمامهم، فيتعلّمونها دون أن ننتبه.
كنا نقول «صباح الخير» فنقصد الخير حقًا، ونقول «لو سمحت» لأننا نؤمن أن اللطف حقّ للآخر، لا مِنّة. كان الكبير كبيرًا بوقاره لا بعصاه، والصغير صغيرًا بأدبه لا بخوفه. لم تكن الرحمة شعارًا، بل عادة يومية؛ في الشارع، وفي العمل، وفي البيت. إذا تعثّر أحدنا، وجد يدًا تمتد قبل أن يجد سؤالًا.
كانت الأمانة تمشي بيننا خفيفة الظل؛ نضع المفتاح تحت السجادة، وننام مطمئنين. وكان الخجل زينة، لا تهمة. وكانت الكلمة عقدًا، والوعد دينًا، والاعتذار شجاعة. لم نكن كاملين، لكننا كنا نعرف طريق الصواب، حتى وإن تعثّرنا عنه أحيانًا.
اليوم تغيّرت السرعة، وضاق الوقت، وكثرت الأصوات. صارت الأخلاق تُزاحَم بالاستعجال، وتُنسى تحت ضغط الحياة. لكن الجميل فيها أنها لا تموت؛ تختبئ قليلًا، تنتظر من يناديها. تظهر في ابتسامة عابرة، في مقعد يُترك لكبير سن، في يدٍ تُعين دون تصوير، في كلمة حق تُقال بهدوء.
أخلاقنا الجميلة ليست حنينًا للماضي بقدر ما هي مسؤولية للحاضر. ليست ثوبًا قديمًا نعلّقه على الجدار، بل قيمة نُجدّدها كل يوم. أن نعيد للصدق مكانته، وللرحمة صوتها، وللاحترام هيبته. أن نُربّي أبناءنا على أن الإنسان يُقاس بما يعطي، لا بما يملك؛ وبما يفعل حين لا يراه أحد.
إذا أردنا أن تعود أخلاقنا، فلنبحث عنها في أنفسنا أولًا. لنبدأ بتحية صادقة، وبوعد نفي به، وباختلاف نحترمه. فالأخلاق الجميلة لا تحتاج ضجيجًا… تحتاج فقط قلبًا حاضرًا، وضميرًا يقظًا، وإرادة تقول: ما زال فينا خير، وما زال الخير يعرف طريقه إلينا.
أخلاقنا الجميلة
275
المقالة السابقة
