من وزارة الداخلية الي حبل المشنقة

حموده امين حسين
في تاريخ لبنان الحديث، لا تزال خيانة العميد أديب سمعان واحدة من أكثر القضايا الأمنية حساسية، نظرًا لخطورة منصبه وعمق الأضرار التي ألحقها بمؤسسات الدولة، خاصة الجيش اللبناني. فحين يخون ضابط بهذا المستوى وطنه، لا تكون الخسائر مجرد معلومات، بل أرواح ومواقع وسيادة وطن.
صعوده داخل الجيش
أديب سمعان كان أحد كبار ضباط الجيش اللبناني، وارتقى حتى وصل إلى رتبة عميد في جهاز الاستخبارات العسكرية. بفضل علاقاته وقدراته التنظيمية، تولّى مهام بالغة الأهمية، خصوصًا في منطقة الجنوب اللبناني، حيث التوتر الدائم مع الاحتلال الإسرائيلي، والمواجهات المستمرة مع المقاومة اللبنانية.
امتلك سمعان صلاحيات ميدانية كبيرة، وكان مطّلعًا على تحركات المقاومة، والمواقع العسكرية الحساسة، وخطط الدفاع، ما جعله هدفًا مغريًا لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية.
بداية الخيانة
بحسب ما كشفت التحقيقات لاحقًا، بدأت علاقة أديب سمعان بالموساد الإسرائيلي خلال أو بعد اجتياح لبنان عام 1982. استطاع عملاء الموساد، عبر أدوات ضغط نفسي ومالي، تجنيده ضمن شبكة واسعة من العملاء. لم يكن أديب سمعان مجرد ناقل للمعلومات، بل كان بمثابة كنز استراتيجي، بحكم موقعه الحساس.
سرب سمعان معلومات عن تحركات الجيش والمقاومة، وعن اجتماعات وخطط ومراكز قيادية، ما ساهم في تنفيذ اغتيالات إسرائيلية طالت قيادات ميدانية، فضلاً عن قصف مواقع تم تحديدها بدقة بفضل ما قدّمه من بيانات.
لحظة السقوط
شكّلت الأجهزة الأمنية اللبنانية وحدة تحقيق خاصة بعد أن تكررت الضربات “الناجحة” للموساد في مناطق محمية أمنيًا. وبعد شهور من المتابعة الدقيقة، بدأت الشكوك تحوم حول أديب سمعان. وبعملية سرية، تم القبض عليه، ثم خضع لتحقيق مكثّف، انتهى باعترافه الكامل بتعامله مع الموساد لعدة سنوات.
أحيل إلى المحكمة العسكرية، وصدر بحقه حكم بالسجن مع التجريد من رتبته العسكرية وكافة امتيازاته. وقد أحدثت هذه القضية زلزالًا داخل الجيش اللبناني، خاصة أنها كشفت هشاشة في بعض دوائر الثقة، وعمق اختراق العدو الإسرائيلي للمؤسسات الأمنية.
تداعيات الخيانة
أدت خيانة العميد أديب سمعان إلى:
فقدان أرواح العديد من عناصر المقاومة نتيجة ضربات إسرائيلية دقيقة.
اختراق أمني واسع النطاق داخل الجنوب اللبناني.
مراجعة هيكلية شاملة لمنظومة الاستخبارات في الجيش.
اهتزاز ثقة الرأي العام في المؤسسة العسكرية لبعض الوقت.
لكن من جهة أخرى، شكّلت القضية دافعًا لتطوير آليات كشف الخيانة والتدقيق الأمني، ما ساهم لاحقًا في ضبط العديد من شبكات التجسس داخل لبنان
خيانة أديب سمعان لم تكن مجرد خطأ فردي، بل جريمة وطنية بكل المعايير، ارتكبها رجل كان يفترض أن يحمي وطنه لا أن يبيعه. قصته تُدرّس اليوم كتحذير دائم من أن العدو قد يختبئ أحيانًا في أعلى الصفوف، وأن الثقة لا تُمنح دون رقابة