كتبت: د. إيمان بشير ابوكبدة
تُعد قضية “سفاح المشرحة”، محمد آدم عمر إسحاق، السوداني الجنسية، واحدة من أبشع قضايا القتل المتسلسل التي شهدتها المنطقة العربية في مطلع الألفية، والتي انتهت بتنفيذ حكم الإعدام في صنعاء عام 2001. لكن رغم إغلاق الملف قانونياً، ظلت تساؤلات تثير الجدل حول شركاء محتملين ونطاق الجرائم الدولي.
صعود “السفاح” في ظل التشريح
اكتسب محمد آدم لقب “سفاح المشرحة” لاستغلاله وظيفته كمُغسّل جثث ومُجهّز لها في ارتكاب جرائمه. بدأ مسيرته المهنية في مشرحة مستشفى أم درمان بالسودان، ثم انتقل للعمل في الكويت، قبل أن يستقر في اليمن كفني تشريح ومساعد في مشرحة كلية الطب بجامعة صنعاء. هذه الخلفية منحته خبرة واسعة في التعامل مع الجثث والمواد الكيميائية، والتي استخدمها لاحقاً لإخفاء معالم جرائمه.
مشرحة صنعاء: مسرح الجريمة
كانت مشرحة كلية الطب بجامعة صنعاء هي النطاق الأساسي لجرائمه. استغل محمد آدم وظيفته وثقة طالبات الطب والتمريض، مستدرجاً إياهن بحجة مساعدتهن في الدراسة أو توفير مواد التشريح. وتشير اعترافاته إلى ارتكابه اغتصاب وقتل 16 طالبة وسيدة خلال فترة عمله التي بدأت تقريباً في عام 1995.
من أبرز الضحايا المؤكدين اللواتي وردت أسماؤهن:
الطالبة العراقية زينب سعود.
الطالبة اليمنية حسناء عطية.
أسلوب الإخفاء المروع
لم يكتفِ محمد آدم بالاغتصاب والقتل، بل اتبع أسلوباً مروعاً في التخلص من الجثث، مستغلاً خبرته في المشرحة:
التمثيل بالجثة: تقطيعها إلى أجزاء صغيرة.
الإذابة الكيميائية: استخدام أحماض ومواد كيميائية مذيبة لإذابة العظام واللحم.
التخلص من البقايا: رمي ما تبقى من البقايا في سرداب المجاري التابع لكلية الطب.
كما زعم السفاح توثيق جرائمه عبر أشرطة فيديو، أخفاها بين أشرطة محاضرات دينية.
القبض والمحاكمة والحكم
بدأ كشف الخيوط بعد تزايد حالات اختفاء الطالبات واكتشاف متعلقات شخصية لبعض الضحايا داخل المشرحة. تم القبض على محمد آدم في صنعاء، واعترف بارتكاب جرائم الاغتصاب والقتل وسرقة المصوغات الذهبية.
حُكم عليه بالإعدام رمياً بالرصاص من قبل المحكمة الابتدائية في 19 نوفمبر 2000، وأيدت محاكم الاستئناف والعليا الحكم. تم تنفيذ الإعدام علناً في 20 يونيو 2001 في ساحة قريبة من كلية الطب، وسط حضور جماهيري كبير من العامة وأسر الضحايا، ليُسدل الستار على هذه المرحلة من القضية.
خلافات ونقاط عالقة
رغم تنفيذ الحكم، ظلت القضية مثار جدل، مركزة على نقطتين رئيسيتين:
النطاق الدولي للجرائم: ادّعى محمد آدم ارتكاب جرائم في السودان، الكويت، تشاد، وأفريقيا الوسطى، مدعياً أن إجمالي ضحاياه قد يصل إلى 49 شخصاً. إلا أنه تراجع عن بعض هذه الاعترافات لاحقاً، ولم تُحسم مسؤوليته الدولية بشكل قاطع من قبل الأنظمة القضائية المعنية.
شبهات حول متورطين آخرين: طالب محامو أسر الضحايا بالتحقيق مع أسماء أخرى وردت في اعترافاته، أبرزهم طبيبان عراقيان زُعم أنهما شاركا في استدراج بعض الضحايا. هذه المطالبات أثارت شكوكاً حول احتمال وجود متورطين آخرين لم تشملهم المحاكمة النهائية.
