كل الطرق تؤدي إلى روما… مقولة تاريخية تتجاوز حدود الجغرافيا

نجده محمد رضا
“كل الطرق تؤدي إلى روما” عبارة شهيرة يعرفها الكثيرون، لكنها تحمل في طياتها ما هو أبعد من مجرد وصف جغرافي. هذه المقولة التي تعود جذورها إلى الحقبة الرومانية، أصبحت رمزًا للتنوع في الوسائل ووحدة الغاية، ولها أصداء ثقافية وفكرية لا تزال تتردد حتى يومنا هذا.
الأصل التاريخي في العصور القديمة، وبالتحديد خلال ذروة توسع الإمبراطورية الرومانية، كان يتم بناء شبكة طرق ضخمة تربط بين المدن والولايات التابعة لروما. وُجدت آنذاك عبارة حقيقية على حجر الأساس للطرق القديمة تقول: “كل الطرق تؤدي إلى المنتدى الروماني” مركز العاصمة. ومن هنا ولدت المقولة التي اختُزلت لاحقًا إلى “كل الطرق تؤدي إلى روما”.
كان الهدف من هذه الشبكة تسهيل حركة الجيوش والبضائع والمعلومات، وقد بلغت أطوال الطرق الرومانية ما يزيد عن 400 ألف كيلومتر، منها 80 ألف كيلومتر ممهدة بالحجارة، وهو ما يجعل من هذه البنية التحتية إنجازًا هندسيًا لا يُستهان به.
البُعد الرمزي مع مرور الزمن، تجاوزت المقولة معناها الجغرافي، لتصبح تعبيرًا مجازيًا عن تنوّع الوسائل التي يمكن من خلالها تحقيق الهدف الواحد. تُستخدم العبارة اليوم في مختلف المجالات للدلالة على أن الوصول إلى الغاية لا يقتصر على طريق واحد، بل يمكن سلك عدّة مسارات، ما دام الهدف واضحًا.
في الفكر المعاصرتجد هذه المقولة مكانها في النقاشات الفلسفية، والمجالات التعليمية، وحتى في خطط التنمية. على سبيل المثال، قد يستخدمها معلم ليشرح لطلابه أن لكل منهم طريقته في الفهم، كما يستخدمها قادة الأعمال للدلالة على مرونة الاستراتيجيات.
من شوارع مرصوفة بالحجارة في قلب الإمبراطورية الرومانية، إلى شعار يتردد في ساحات الفكر والعمل، تظل “كل الطرق تؤدي إلى روما” شاهدًا على عبقرية الإنسان في الربط بين الواقع والمجاز، وبين الماضي والحاضر. هي دعوة مفتوحة للتفكير بمرونة، والنظر إلى الأهداف الكبرى من زوايا متعددة.