يوميات أخصائية نفسية “محاولة مشرفة”

بقلم/ سالي جابر
دخل عليّ بخطواتٍ متعبة، تتعثر بين الإرهاق والإصرار.
كان جسده يئنّ من أثر جلسة العلاج الطبيعي، ووجهه يقطر عرقًا، لكنّ في عينيه شيءٌ آخر… شيء يشبه الفخر.
حيّيته بلطف وجلست إلى جواره، فبادرني بصوته الصغير الممتلئ اعتزازًا:
“أنا وقفت لوحدي سبع دقايق.”
سبع دقائق!
في عرفنا، لا تُعدّ شيئًا.
لكن في عالمه، هي انتصار، معركة كاملة انتصر فيها الجسد على كل ما يعيقه، فارتفعت راية الإرادة فوق تعب العضلات.
طلبت منه أن نبدأ نشاط اليوم: تركيب قطع الصور حسب تسلسل منطقي.
كان ذهنه مشغولًا على ما يبدو، ربما لا يزال يعيش لحظة الوقوف.
أعاد ترتيب بعض القطع بعشوائية، ثم توقف فجأة وقال بصوت خافت:
“مش قادر أركّز.”
ابتسمت وقلت برفق:
“حاول مرة كمان، ممكن تعرف.”
نظر إليّ نظرة طويلة، كأنّ في صدره حكمة أكبر من سنوات عمره، ثم قال بثبات:
“طول ما أنا عندي محاولة مشرفة، فأنا تمام.”
تأملت كلماته، ووجدتني عاجزة عن الردّ.
نحن – الكبار – نُهدر الكثير من الوقت في التذمر والشكوى، ننتظر النتائج الفورية، ونقسو على أنفسنا حين نفشل.
أمّا هو، فكان يعلم أن مجرد المحاولة بشرف، تُعدّ نجاحًا، بل بطولة.
في تلك اللحظة، أدركت أنّ دوري معه ليس أن أدرّبه فقط على المهارات، بل أن أتعلم منه معنى المثابرة الحقيقية.
لا شيء يُهدر ما دام خلفه قلبٌ يُحاول… بعزم، وصدق، وشرف.