
كتبت: د. إيمان بشير ابوكبدة
النوم ليس مجرد فترة راحة سلبية، بل هو عملية معقدة وحيوية لضمان صحتنا الجسدية والعقلية. يتكون النوم من دورتين رئيسيتين: نوم حركة العين غير السريعة (NREM) ونوم حركة العين السريعة (REM). تتكرر هذه الدورات من أربع إلى ست مرات كل ليلة، وتستمر كل دورة ما بين 80 إلى 100 دقيقة.
مراحل النوم: رحلة الدماغ والجسم
تبدأ رحلة النوم بمرحلة NREM، والتي تنقسم إلى ثلاث مراحل:
النعاس (المرحلة الأولى): هي مرحلة خفيفة تحدث عند بداية النوم وتستمر لبضع دقائق فقط.
النوم الخفيف (المرحلة الثانية): على الرغم من أن النوم يصبح أعمق هنا، إلا أنه لا يزال من السهل نسبيًا الاستيقاظ. تمثل هذه المرحلة الأطول، حيث تشكل حوالي 45% من إجمالي وقت النوم.
النوم العميق (المرحلة الثالثة من NREM): تعرف هذه المرحلة أيضًا باسم نوم الموجة البطيئة، وتتميز بنمط محدد لموجات الدماغ حيث ينخفض نشاط الجهاز العصبي بشكل كبير.
بعد مرحلة ننتقل إلى نوم حركة العين السريعة، وهي المرحلة التي تحدث فيها معظم الأحلام، ويكون نشاط الدماغ فيها مشابهًا لما يحدث أثناء اليقظة.
النوم العميق: لماذا هو مهم جدًا؟
المرحلة الثالثة من نوم أو النوم العميق، هي مرحلة أساسية لتحقيق راحة حقيقية والشعور بالتجديد. خلال هذه المرحلة، يسترخي الجسم، وتنخفض قوة العضلات، والنبض، والتنفس. تصبح موجات الدماغ بطيئة وقوية، ويركز الجسم على:
إصلاح الأنسجة: يساعد في تجديد الخلايا وإصلاح الأضرار التي لحقت بالجسم خلال اليوم.
تقوية جهاز المناعة: يعزز قدرة الجسم على محاربة الأمراض والالتهابات.
تنظيم التمثيل الغذائي: يلعب دورًا حيويًا في تنظيم الوظائف الفسيولوجية الأيضية.
بدون كمية كافية من النوم العميق، ستشعر بالإرهاق في اليوم التالي، حتى لو نمت لعدة ساعات. لذلك، يحاول الجسم زيادة الوقت في هذه المرحلة في بداية الليل.
ما هي المدة المثالية للنوم العميق؟
بالنسبة للبالغين، يمثل النوم العميق حوالي 25% من إجمالي وقت الراحة. هذا يعني أنك إذا كنت تنام ما بين 7 و8 ساعات كل ليلة، فيجب أن تقضي ما بين ساعة وثلاثة أرباع إلى ساعتين في نوم عميق. مع التقدم في العمر، تقل الحاجة إلى النوم العميق، وغالبًا ما يقضي كبار السن وقتًا أطول في المرحلة الثانية من نوم.
عواقب نقص النوم العميق: مخاطر صحية خطيرة
عدم الحصول على قسط كافٍ من النوم العميق يمكن أن يؤدي إلى سلسلة من الآثار السلبية ويزيد من خطر الإصابة بمشاكل صحية خطيرة:
زيادة خطر الإصابة بالزهايمر: يعمل النوم العميق كنظام صيانة للدماغ، حيث يساعد على إزالة الفضلات المتراكمة في الخلايا العصبية خلال النهار، مثل بروتيني بيتا أميلويد وتاو، اللذين يرتبط تراكمهما بمرض الزهايمر.
زيادة خطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني: ينظم الجسم وظائف التمثيل الغذائي خلال النوم العميق. التعديلات في هذه المرحلة يمكن أن تؤثر على التحكم في نسبة السكر في الدم، حيث تزيد موجات الدماغ الناتجة عن النوم العميق من حساسية الجسم للأنسولين.
زيادة الوزن: يؤدي نقص النوم العميق إلى اختلال في التوازن الهرموني الذي ينظم الشهية، مما يؤثر على مستويات هرموني اللبتين (الشبع) والجريلين (الشهية)، ويرتبط النوم أقل من خمس ساعات بزيادة خطر السمنة.
ارتفاع ضغط الدم وتصلب الشرايين: يعرقل عدم الحصول على راحة كافية عملية استقرار ضغط الدم، مما يزيد من خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم ويسرع تطور تصلب الشرايين.
التأثير على الصحة العاطفية: يساهم نقص النوم العميق في تقلب المزاج ويعيق القدرة على إدارة العواطف، مما يزيد من التعرض لمشاكل الصحة العقلية مثل الاكتئاب والقلق، ويزيد مستويات الكورتيزول (هرمون التوتر).
نصائح لتحسين جودة نومك العميق
قد يبدو الحصول على نوم عميق عالي الجودة تحديًا، لكنه ممكن تمامًا مع بعض التعديلات على روتينك اليومي:
حافظ على نظافة النوم الجيدة: تشمل عادات تحسين جودة النوم: غرفة نوم ذات إضاءة خافتة ودرجة حرارة مناسبة، تقليل القيلولة إلى 30 دقيقة كحد أقصى، وتجنب الأجهزة الإلكترونية قبل ساعة من وقت النوم.
اتبع جدول نوم ثابت: حاول الذهاب إلى السرير والاستيقاظ في نفس الوقت كل يوم، بما في ذلك عطلات نهاية الأسبوع، لتنظيم ساعتك الداخلية.
استخدم الضوضاء البيضاء: تساعد الضوضاء البيضاء في حجب الأصوات المتقطعة وتعزيز النوم المستمر والمريح.
تجنب الكافيين قبل النوم: تجنب أي مشروبات تحتوى على الكافيين من الساعة 6:00 مساءً فصاعدًا، حيث يمكن أن تؤثر على جودة النوم العميق.
مارس الرياضة بانتظام: يعتبر النشاط البدني المنتظم حليفًا مهمًا لتحسين نوعية النوم وتعزيز النوم العميق، بشرط ممارسته في الصباح أو بعد الظهر وتجنبه في الليل.
نوم عميق، حياة أفضل
تحقيق النوم العميق أمر أساسي لتغيير أيامك وتحسين أدائك أثناء الدراسة أو العمل. ستجني فوائد تؤثر على صحتك الجسدية ورفاهيتك العاطفية. إنه أكثر من مجرد مرحلة بسيطة من النوم؛ إنه وقت لتقوية جهاز المناعة والحفاظ على التوازن الهرموني. النوم الجيد يقلل من احتمالية الإصابة بالمرض ويحسن مزاجك بشكل عام.