د. إيمان بشير ابوكبدة
يعاني ما يصل إلى ثلاثة من كل ألف مولود جديد من فقدان السمع في إحدى الأذنين أو كلتيهما. ورغم أن زراعة القوقعة تُقدم أملًا كبيرًا لهؤلاء الأطفال، إلا أنها تتطلب جراحةً باضعة. كما أنها لا تُعيد إنتاج حاسة السمع الطبيعية تمامًا.
ولكن أظهرت دراسات حديثة، بقيادة الباحث ماولي دوان وزملائه، أن أحد أشكال العلاج الجيني يمكن أن يعيد السمع بنجاح للأطفال الصغار والشباب البالغين الذين يولدون بالصمم الخلقي.
ركز بحثنا بشكل خاص على الأطفال الصغار والبالغين الشباب المولودين بصمم مرتبط بـ OTOF. وتحدث هذه الحالة بسبب طفرات في جين OTOF، المسؤول عن إنتاج بروتين أوتوفيرلين، وهو بروتين أساسي للسمع، كما أوضح دوان.
ينقل هذا البروتين الإشارات السمعية من الأذن الداخلية إلى الدماغ. عند حدوث طفرة في هذا الجين، يتعطل هذا النقل، مما يؤدي إلى فقدان سمع شديد منذ الولادة.
على عكس أنواع أخرى من الصمم الجيني، فإن الأشخاص الذين يعانون من طفرات OTOF لديهم هياكل سمعية صحية في الأذن الداخلية – المشكلة ببساطة هي أن أحد الجينات الحاسمة لا يعمل بشكل صحيح.
وهذا يجعلها مرشحة مثالية للعلاج الجيني: إذا كان بإمكانها إصلاح الجين المعيب، فيجب أن تكون الهياكل الصحية الموجودة قادرة على استعادة السمع.
في دراستنا، استخدمنا فيروسًا معدَّلًا كنظام توصيل لنقل نسخة وظيفية من جين OTOF مباشرةً إلى الخلايا السمعية في الأذن الداخلية. عمل الفيروس كناقل جزيئي، ناقلًا التصحيح الجيني بدقة حيثما كان مطلوبًا.
وتعمل الفيروسات المعدلة على تحقيق ذلك من خلال ربط نفسها أولاً بسطح الخلية الشعرية، ثم إقناع الخلية بابتلاعها بالكامل.
بمجرد دخولها، تنتقل إلى مركز التحكم عبر نظام النقل الطبيعي للخلية. وهناك، تُطلق أخيرًا التعليمات الجينية للأوتوفيرلين إلى الخلايا العصبية السمعية.
أجرى فريقنا بالفعل دراسات على الرئيسيات والأطفال الصغار (خمس وثماني سنوات) أكدت سلامة العلاج ضد الفيروس. كما تمكنا من إثبات قدرة العلاج على استعادة السمع – أحيانًا إلى مستويات قريبة من الطبيعي، وفقًا للباحث.
“ولكن لا تزال هناك أسئلة مهمة حول ما إذا كان العلاج يمكن أن ينجح مع المرضى الأكبر سنا وما هو العمر المثالي للمرضى لتلقي العلاج.”
للإجابة على هذه الأسئلة، وسّع الباحثون نطاق تجربتهم السريرية لتشمل خمسة مستشفيات، حيث تطوع عشرة مشاركين تتراوح أعمارهم بين سنة و24 عامًا. شُخّص جميعهم بالصمم المرتبط بـ OTOF. حقن العلاج الفيروسي في الأذن الداخلية لكل مشارك.
راقبنا السلامة عن كثب طوال الدراسة التي استمرت 12 شهرًا من خلال فحوصات الأذن وفحوصات الدم. وتم قياس تحسن السمع من خلال اختبارات استجابة جذع الدماغ الموضوعية والتقييمات السمعية السلوكية.
في اختبارات استجابة جذع الدماغ، استمع المرضى إلى أصوات نقر سريعة أو أصوات تنبيه قصيرة ذات نغمات مختلفة بينما قامت أجهزة الاستشعار بقياس الاستجابة الكهربائية التلقائية للدماغ.
وفي اختبار آخر، استمع المرضى إلى أصوات ثابتة ومتواصلة بدرجات مختلفة، بينما قام الكمبيوتر بتحليل موجات أدمغتهم لمعرفة ما إذا كانوا يتبعون تلقائيا إيقاع تلك الأصوات.
لتقييم السمع السلوكي، ارتدى المرضى سماعات رأس واستمعوا إلى أصوات تنبيه خافتة بدرجات متفاوتة. ضغطوا على زر أو رفعوا أيديهم كلما سمعوا صوت تنبيه، مهما كان خافتًا.
كان تحسن السمع سريعًا وملحوظًا، خاصةً لدى المشاركين الأصغر سنًا. في الشهر الأول من العلاج، بلغ متوسط التحسن الكلي في السمع 62% في اختبارات استجابة جذع الدماغ الموضوعية، و78% في التقييمات السمعية السلوكية.
حقق اثنان من المشاركين إدراكًا شبه طبيعي للكلام. وقالت والدة أحد المشاركين البالغ من العمر سبع سنوات إن ابنها استطاع سماع الأصوات بعد ثلاثة أيام فقط من العلاج.
خلال فترة الدراسة التي استمرت 12 شهرًا، عانى عشرة مرضى من آثار جانبية تراوحت بين الخفيفة والمتوسطة. وكان الأثر الجانبي الأكثر شيوعًا هو انخفاض خلايا الدم البيضاء. والأهم من ذلك، لم تُلاحظ أي آثار جانبية خطيرة. وهذا يؤكد مستوى السلامة الإيجابي لهذا العلاج الجيني القائم على الفيروس.
