نجده محمد رضا
المراهقة المتأخرة عند الرجال بعد الأربعين أزمة عمر أم بحث عن ذات ضائعة؟ في مجتمعاتنا العربية، تُثار كثير من التساؤلات حول سلوك بعض الرجال بعد تجاوزهم سن الأربعين، حين يظهر عليهم ما يُسمّى بـ”المراهقة المتأخرة”.
هذه الظاهرة ليست جديدة، لكنها أصبحت أكثر وضوحًا في ظل التحولات الاجتماعية والنفسية التي يعيشها الإنسان في عصرنا الحالي. وبينما يراها البعض مجرد محاولة لاستعادة الشباب، يصفها آخرون بأنها أزمة هوية حقيقية قد تهدد استقرار الأسرة والحياة الاجتماعية للرجل.
معنى المراهقة المتأخرة
المراهقة في الأصل مرحلة عمرية تبدأ في سن البلوغ وتنتهي غالبًا عند بدايات العشرينات.
لكن “المراهقة المتأخرة” مصطلح يُطلق على سلوكيات رجال تجاوزوا مرحلة النضج العمري والزمني، إلا أنهم يتصرفون وكأنهم في عمر الشباب، يسعون خلف المغامرات العاطفية أو المظاهر الشبابية، بل وأحيانًا يتخذون قرارات متهورة تمس حياتهم الأسرية والمهنية.
أسباب الظاهرة
يرى علماء النفس والاجتماع أن المراهقة المتأخرة قد تنبع من عدة أسباب متشابكة
أزمة منتصف العمر
يدخل الرجل بعد الأربعين في مرحلة تقييم شامل لحياته وإنجازاته.
فإذا وجد فجوة بين أحلامه القديمة وواقعه الحالي، يشعر بالإحباط ويبحث عن بدائل تعوضه عما فاته.
الخوف من التقدّم في السن
يبدأ الرجل في ملاحظة علامات الشيخوخة، فيحاول أن يثبت لنفسه وللآخرين أنه ما زال شابًا عبر الملابس العصرية، أو العلاقات الجديدة، أو حتى المغامرات المادية.
الفراغ العاطفي
في بعض الحالات، تكون الحياة الزوجية قد فقدت بريقها، فيبحث الرجل عن مصادر جديدة للإشباع العاطفي والاهتمام.
الضغوط الاقتصادية والاجتماعية
فشل البعض في تحقيق طموحاتهم أو مواجهة مشكلات مهنية قد يدفعهم للانسحاب إلى “عالم وهمي” من اللهو والمرح المؤقت.
التأثر بالثقافة الحديثة
مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح التقليد والبحث عن الظهور أكثر شيوعًا، مما يغذي هذه السلوكيات.
المظاهر والسلوكيات تتجلى المراهقة المتأخرة عند الرجال في عدة صور، منها
الاهتمام المفرط بالمظهر الخارجي والملابس الشبابية.
الدخول في علاقات عاطفية جديدة، أحيانًا على حساب الاستقرار الأسري.
المغامرة المادية مثل شراء سيارات باهظة الثمن أو الدخول في مشاريع متهورة.
الإقبال على أنشطة شبابية مفرطة كالسهر المتواصل أو السفر المتكرر.
التداعيات على الأسرة والمجتمع
هذه المرحلة قد تكون مدمرة إذا لم يُحسن الرجل إدارتها قد يشعر الزوجة والأبناء بالإهمال، مما يؤدي إلى تفكك الروابط الأسرية.
الرجل نفسه قد يخسر استقراره العاطفي والاجتماعي والمالي، ويكتشف لاحقًا أن ما سعى خلفه كان مجرد وهم.
انتشار هذه الظاهرة يؤدي إلى اهتزاز صورة “النضج” لدى الرجال، ويضعف القدوة التي يُفترض أن يقدمها الأب لأبنائه.
رؤية علم النفس
يؤكد علماء النفس أن هذه المرحلة ليست بالضرورة سلبية.
فقد تكون فرصة لمراجعة الذات وتجديد الطاقة إذا تعامل الرجل معها بعقلانية، مثل
ممارسة هوايات صحية تعيد إليه التوازن.
تحسين علاقته بأسرته عبر الحوار والاهتمام.
تطوير نفسه مهنيًا وعلميًا بدلًا من البحث عن أوهام عاطفية.
المراهقة المتأخرة عند الرجال بعد الأربعين ظاهرة إنسانية معقدة لا تستحق السخرية بقدر ما تستحق الفهم فهي تعكس صراعًا داخليًا بين العمر الحقيقي والعمر النفسي وبين الماضي الذي رحل والمستقبل الذي يقترب
إن التعامل الحكيم معها يتطلب وعيًا من الرجل نفسه ودعمًا من أسرته، حتى لا تتحول إلى أزمة مدمرة بل إلى محطة نضج جديدة تفتح له أبواب التوازن والسعادة.
