بقلم: أسامة إبراهيم
حين يتحول اللسان إلى أداة دمار اجتماعي
يحذرنا القرآن الكريم بوضوح من خطر النميمة، في قوله تعالى: “وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ، هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ”،
كما يؤكد النبي ﷺ مصير النمام في الآخرة بقوله: “وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟”
وغيرها بالعشرات من النصوص التي تتحدث عن خطورة هذا الداء اللعين.
النميمة ليست مجرد عادة سيئة، بل داء اجتماعي خطير يهدم العلاقات ويزرع العداوة بين الناس.
من هو الشخص النمّام؟
النمّام هو شخص لا يهدأ له لسان، ينقل الأخبار والأسرار من مجلس إلى آخر دون مراعاة للأمانة أو العِشرة.
تجده يتحدث غالبًا عن أشخاص غائبين، ويعيد رواية القصص بعد أن يضيف إليها تفاصيل مختلقة من خياله المريض، بغرض الإثارة وجذب الانتباه.
ويصف محمد محمد عبد اللطيف الخطيب في كتابه أوضح التفاسير هؤلاء بقوله:
“النمّامون هم الذين يقطعون روابط الألفة، وينفثون سمومهم ليفسدوا المودة بين الناس، فشبّههم الله بالسحرة الذين ينفثون في العقد لحل روابط المحبة.”
وهكذا، تصبح النميمة شكلاً من أشكال السحر المعنوي؛ لأنها تحوّل الحب إلى كراهية والودّ إلى عداوة، ولهذا قال النبي ﷺ: “إن من البيان لسحراً.”
✦ كيف تكتشف الشخص النمّام؟
معرفة النمّام لا تحتاج سوى قليل من الملاحظة والذكاء الاجتماعي.
راقب أحاديثه، وما ينشره على مواقع التواصل الاجتماعي، وستجد أنه ينجذب إلى صفحات السخرية والاستهزاء بالآخرين، ويتلذذ بذكر أخطائهم تحت شعار “التسلية”.
أما من يتحدث بخير عن الناس ويُثني على محاسنهم ويتجنب ذكر أسرارهم، فهو بعيد عن النميمة.
وتتجسد الحقيقة في مقولة إلينور روزفلت الشهيرة: “العقول الكبيرة تتحدث عن الأفكار، والعقول المتوسطة تتحدث عن الأحداث، أما العقول الصغيرة فتتحدث عن الأشخاص.”
النمّام يعيش أسيرًا لأحاديث الآخرين، يهدر وقته وطاقته في مراقبة الناس بدل تطوير ذاته، فيخسر احترامه لنفسه واحترام الناس له.
العلاقة مع النمّام… طريق إلى المشاكل
العلاقة مع النمّام محفوفة بالمخاطر؛ فهو يُظهر الود في وجهك، ويغتابك من خلفك.
ينقل عنك ما قلت وما لم تقل، وينسج حولك القصص في غيابك.
الحل الأمثل هو قطع العلاقة به فورًا، لأن استمرارها يعني الدخول في دوامة لا تنتهي من المشاكل وسوء الظن.
لكن الحذر لا يعني فقدان الثقة في الجميع، بل يعني الاختيار الواعي للأصدقاء، كما أوصى النبي ﷺ بقوله:
“المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل.”
النميمة… مرض اجتماعي يهدد الوعي الجمعي
تنتشر النميمة اليوم في مجتمعاتنا العربية – وخاصة في المجتمع المصري – نتيجة الفراغ النفسي والعاطفي، وضعف الوعي الثقافي، وسوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت ساحة لتبادل الشائعات والاستهزاء بالناس.
إنها آفة حضارية تهدد قيمنا وتماسكنا الاجتماعي، ومرض يصعب علاجه ما لم يدرك الأفراد خطورته ويبتعدوا عنه بوعي ومسؤولية.
النمّام ليس مجرد ناقل كلام، بل صانع فتنة قد تدمّر بيوتًا وتُفرّق أحبابًا.
فاحذر أن تكون ضحية له أو شريكًا في نشر كلماته، وتذكّر أن الكلمة – كما تبني – قد تهدم.
ابتعد عن النمّام فورًا بأي ثمن؛ فالعافية في الصمت، والسلام في البُعد.
