د. فرج العادلي
الناس في بلاد الغرب فريقان
الأول: يذهب إلى بلاد الغرب بخلفية عربية إسلامية بحتة، منفصلا عن المكان والزمان، ومنفصلا عن أحكام الديار، (لأن لكل دارٍ أحكاما خاصة بها)، فيذهب بعينٍ ناقمة وقلبٍ ساخطٍ، ويود أن لو غير هذه البلاد في لمح البصر، وربما يُحدِثُ تطرفا ما ويسيء للإسلام نفسه، بحبه غير الواعي للإسلام، أو على الأقل يلبس زيا مخالفا لأهل الديار فيكون شاذا بينهم، بل ربما يستحل مالهم، ويستحل عليهم الكذب، لأنهم في نظره كفار.
الثاني: يذهب إلى هناك، وينخلع من كل قيمة وعقيدة، ويحاول مواكبة المكان، والزمان، فيرتكب المحرمات، حتى لا يظهر بمظهر الشاذ… فيسيء لنفسه ودينه وللأسف وما أكثر هذا النوع.
ولنحكم على هذا وذاك تعالوا بنا ننظر كيف عاش رسول الله ﷺ في مكة المكرمة قبل الهجرة، والتي ظل فيها ثلاثة عشر عاما.
فكانت الأصنام تملأ أرض البيت الحرام، والزنا له بيوت، والبيوت لها رايات( أمر مقنن)
وكانوا كما قال سيدنا جعفر-رضي الله عنه- للنجاشي، كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأتي الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ونأكل الميتة، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف خاصة الأرملة واليتيم.
ومع ذلك فإن رسول الله ﷺ، كان يذهب ويتعبد في مكة بين كل هذه الأصنام لا بلتفت لصنم منها، وكان يرى من يشرب الخمر، ومن يكذب، ومن يسرق، ومن يفسق لا يلوي عليه؛ لأنه ليس على دينه، ولأنه في بلاد غير المسلمين، ومع هذا وذاك، فكان في هذا المجتمع المرعب الممتلئ بكل أنوع الجرائم الشنيعة، يصدق الحديث، ويقري الضيف، ويحمل الكل، ويحسن الجوار، ويصل الأرحام، وينصر المظلوم، ويعين على نوائب الدهر، بل ويلبس مثلهم، حتى لما اضطروه ﷺ لترك دياره، وترك أهله، وماله، وبيته، وأولاده ويهاجر، ترك سيدنا علي-رضي الله عنه- في فراشه ليرد لهم أماناتهم، تخيل، هذا هو النموذ الكامل للمسلم الصادق في بلاد الغرب، فمن تمثل هذه الصفات في بلاد الغرب كان مسلما حقا ناصرا لدينه، بل ربما يفتحها بأخلاقه، كما فتح التجار البلاد قديما بأخلاقهم.
يتبع…
