كتب.. أحمد رشدى
الزمن ليس مجرد عقارب تتحرك فوق ساعة معلقة على جدار بل هو قصة طويلة تحكيها الأيام وتخطها الذكريات الزمن يمر بنا جميعا دون استئذان يبدل الوجوه ويغير الملامح لكنه يترك في القلب بصمات لا يقدر عليها النسيان فكل لحظة نعيشها تصبح جزءا منا وتظل حاضرة مهما حاولنا أن نهرب منها
في لحظات الفرح يبدو الزمن صديقا كريما يمنحنا الشعور بالخلود أما في أوقات الحزن فهو ضيف ثقيل يطيل البقاء ويجعل من الثواني دهرا كاملا الزمن يعلمنا الصبر ويكشف لنا قيمة ما نملك فيجعلنا نتمسك بمن نحب وندرك أن اللحظات لا تعوض

inbound5725381321258210226
وأقسى ما يفعله الزمن حين يسلبنا أحبتنا ويأخذ منا وجوها غالية كانت تملأ الحياة دفئا وطمأنينة فذلك الشاب الذي فقد حبيبته ما زال يجلس على المقعد الخشبي في الحديقة حيث اعتادا اللقاء ويحادث فراغا لا يجيبه كل ركن يذكره بها وكل أغنية تحمل صوتها وكل رائحة عطر عابرة توقظه على ألم الغياب
وتلك الفتاة التي رحل والدها لم تعد تسمع ضحكته التي كانت تملأ البيت ولا تجد اليد التي تمسح دموعها فتجلس ليلا أمام صوره
وتحدثه كأنه ما زال يسمعها
أما ذلك الرجل الذي فقد أمه
فهو يشعر أن العالم صار باردا بلا حضنها وأن الطعام بلا طعم وأن الدعاء لا يكتمل إلا بذكرها ويعود كل يوم إلى غرفتها ليتنفس بقايا رائحتها
في وسادتها وكأنها ما زالت بين جدران البيت أما من فقد أباه فيعرف أن السقف قد انكسر وأن عمود البيت قد انهار فيتذكر خطواته الثقيلة وصوته العميق وهو يناديه ويبحث في أرجاء البيت عن ظل يطمئنه فلا يجد غير الصمت
الزمن مرآة تكشف حقيقتنا فهو يضع كل إنسان أمام نفسه ليرى ما قدمه وما أخفاه وما لم يجرؤ يوما على مواجهته ولعل أجمل ما في الزمن أنه لا يكرر نفسه فما مضى لا يعود وما سيأتي لا يتشابه مع غيره فتظل الحياة رحلة مليئة بالمفاجآت والفرص التي لا تنتهي
وحين نتأمل رحلتنا ندرك أن الزمن ليس عدوا كما يظن البعض بل هو المعلم الأكبر الذي يمنحنا الحكمة بعد التجربة واليقين بعد التشتت والهدوء بعد الضجيج وفي النهاية يبقى الزمن كتابا مفتوحا نكتب فيه سطورنا بأيدينا ونترك فيه أسماء أحببناهم ليظلوا خالدين في قلوبنا مهما غابوا ولعل العزاء الأكبر أن من رحلوا تركوا لنا ذكريات لا تموت وأن اللقاء باق في وعد الخلود حيث لا فراق ولا وداع
