د.نادي شلقامي
في رحاب السحر الأبدي: هنا، حيث يلتقي الزمن بالخضرة المترفة في شمال لبنان، تقف أشجار شامخة كشاهد صامت على التاريخ. من الوادي المقدس، وادي قاديشا، إلى العراقة الخالدة لـ حِرش أرز الرب، تكمن حكايات تتجاوز الأجيال. هذا ليس مجرد مشهد طبيعي؛ بل هو نبض روح متجذرة في الأرض، يجسدها قزحيا حنّا، أمين التطوير والإنتاج في لجنة أصدقاء غابة الأرز، الذي نسج قصته مع هذه الأشجار منذ نعومة أظافره، مُورِثًا عشق الطبيعة من عائلة مزارعة آمنت بقدسية هذه الأرض.
قال حنّا، الذي ترعرع بالقرب من غابة أرز الرب في بشرّي، : “لهذه الغابة مكانة مقدسة في المنطقة”.
وقد مهّد هذا البُعد الثقافي والديني الطريق لإدراج وادي قاديشا وحرش أرز الرب ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي في عام 1998.
رُغم أهميتها البيئية، تعرّضت هذه الثروة الخضراء للتدهور بفعل عوامل عدّة، منها قطع الأشجار، والرعي الجائر، بالإضافةً إلى التغير المناخي الذي أدى إلى ظهور أمراض وحشرات فتّاكة.
أوضح حنّا، الذي التحق باللجنة منذ نحو 20 عامًا، أنّ تأثّر شجرة واحدة ينعكس على المنظومة البيئية بأكملها، مضيفًا أن اختلال التوازن يؤثر بدوره على النظام الحيوي في المنطقة وخاصة الحيوانات.
وفيما يرتبط بجهود اللجنة في حماية غابة أشجار الأرز، أشار حنّا إلى اتخاذ العديد من الإجراءات، منها إغلاق الغابة لخمس سنوات متتالية في الماضي لمعالجة الأشجار المريضة، وبناء ممرات خاصة للزوار، وزراعة المساحات المحيطة بها.
وأضاف: “كانت الغابة موجودة على سفوح جبال شبه متصحِّرة.. لذا، بالتعاون مع بلدية بشري، وُضِع تحت تصرّف اللجنة مساحة أكثر مما يتراوح بين 6 و7 ملايين متر مربع، تمت زراعتها بأشجار الأرز بشكل أساسي، إلى جانب بعض الأشجار الورقية المرافِقة، لإعادة التوازن الطبيعي للغابة”.
“أساطير حية.
تُعد أشجار الأرز من أبرز المعالم التي يحرص المصوّر اللبناني شربل سكر، الذي ينحدر من بلدة بشرّي في لبنان، على توثيقها بعدسة كاميرته، كلما سنحت له الفرصة.
وقال سكر: “بالنسبة لي، تُجسّد (هذه الأشجار) القوة، والصمود، والجمال، وهدفي أن أُظهر للعالم ما أراه عندما أنظر إليها، حيث تمثل أساطير حيّة متجذّرة في تراب مقدّس”.
في كل زيارة لبلدته، يحرص المصور اللبناني على اصطحاب كاميرا “الدرون” الخاصة به لالتقاط مشاهد متنوّعة لجمال المنطقة، مؤكّدًا: “وادي قاديشا وحرش أرز الرب ليسا مجرّد مواقع على الخريطة، بل يمثّلان الانتماء، ويذكرانني بأن كل شيء في الطبيعة مترابط، من أصغر نملة إلى أطول أرزة، وأن جذورنا، مثل جذورها، تضرب عميقًا في الأرض، وتمتد عبر الأجيال.”
