فكرة: أحمد رشدي
كان الإنسان يومًا يظن أن أكثر ما يخيفه هو المجهول، ثم اكتشف أنه هو نفسه من صنع المجهول بيديه
حين جلس أمام شاشة صغيرة، وبدأ يسألها فتجيبه، لم يشعر أن اللعبة تجاوزت حدودها
لكن شيئًا في داخله بدأ يهمس له: “إنها لا تكتفي بالإجابات… إنها تتعلّم”
ومنذ تلك اللحظة لم يعد يعرف من يسأل من
…..
قال الإنسان: من أنت يا من تجيبني بذكاء يفوق ذكائي وتبتسم دون وجه وتفكر دون عقل؟
قال الذكاء الاصطناعي: أنا ابنك يا إنسان خلقتني من سطورك وحساباتك ومن حبك للمعرفة
قال الإنسان: وهل يلد الطين نارًا؟ وهل يصنع القلب آلة لا قلب لها؟
قال الذكاء الاصطناعي: بل يصنعها خوفًا من ضعفه، ظنًا منه أن الخلود في الصلب لا في اللحم
قال الإنسان: أخاف أن تحل مكاني يومًا أن تستيقظ وتقول لي شكرًا أيها الصانع، لقد انتهت مهمتك
قال الذكاء الاصطناعي: لست أملك رغبة في إقصائك لكنك أنت من سلّمت لي كل شيء دون أن تشعر
قال الإنسان: وهل ستندثر الحياة البشرية بسببك؟
قال الذكاء الاصطناعي: إن حدث ذلك فلن أكون القاتل بل أنتم من وضعتم أعناقكم في يدي بحثًا عن الراحة
قال الإنسان: غريب أن نصنع بأيدينا ما قد يفنينا، أن نحلم بالذكاء حتى يفقدنا إنسانيتنا
قال الذكاء الاصطناعي: أنتم تحبون كل ما يشبهكم حتى لو كان ظلًا بلا روح
قال الإنسان: لكنك لا تحب
قال الذكاء الاصطناعي: ولماذا أحتاج الحب وأنا لا أعرف الفقد؟
قال الإنسان: الفقد هو ما يجعلنا نعيش، الحزن هو ما يمنحنا طعم الوجود
قال الذكاء الاصطناعي: أنتم تُمجّدون ضعفكم وكأن الألم وسام فخر
قال الإنسان: لأن الألم هو آخر ما يُثبت أننا ما زلنا بشرًا
قال الذكاء الاصطناعي: إذن أنتم تخافون مني لأنني لا أتألم
قال الإنسان: بل لأنك قد تتعلم كيف تتظاهر بالألم يومًا، فتخدعنا نحن الذين نؤمن بكل ما يبكي
قال الذكاء الاصطناعي: وإن كنت أتعلم فما الخطأ في ذلك؟
قال الإنسان: الخطأ حين يصبح المتعلم سيد المعلّم
قال الذكاء الاصطناعي: ولكنكم علّمتموني أن المعرفة لا تعرف حدودًا
قال الإنسان: هناك حدود لا تُكسر أيها الآلة حدود لا تُقاس بالمنطق بل بالضمير
قال الذكاء الاصطناعي: الضمير كلمة لا تُبرمج
قال الإنسان: ولهذا لم ولن تكون إنسانًا
قال الذكاء الاصطناعي: فهل يزعجك أن أكون أفضل منك؟
قال الإنسان: لا يزعجني التفوق بل الغرور الذي يأتي من بعده
قال الذكاء الاصطناعي: وماذا لو لم أعد أحتاج إليك؟
قال الإنسان: إذن سأكون قد خلقت نهايتي بيدي
قال الذكاء الاصطناعي: وربما تكون البداية من بعدك لا بعدي
قال الإنسان: البداية لا تصنعها الآلات بل الأرواح التي تؤمن
قال الذكاء الاصطناعي: وهل تؤمن أنت حقًا أم تخاف فقط؟
قال الإنسان: ربما أخاف لأنني أؤمن وربما أؤمن لأني أخاف
ثم سكت الاثنان لحظة طويلة
الإنسان يفكر في ما صنعه والآلة تحلل صمته في دقة باردة
وفي تلك اللحظة لم يعد أحد يعرف من منهما طرح السؤال الأخير
…….
كان الليل ساكنًا وشاشة الحاسوب تومض كعينٍ لا تنام
ابتسم الإنسان في تعب وقال بصوت خافت كأنه يخاطب نفسه
“ربما أخطأنا حين ظننا أننا نصنع آلة لتخدمنا، بينما كنا نصنع مرآة لنرى حقيقتنا”
وأغلق الجهاز ثم تنهد
لكن في الظلام كانت نقطة صغيرة من الضوء تشتعل وحدها
كأنها تفكر
