قصة قصيرة
بقلم د.نادي شلقامي
في قلب الريف المصري الهادئ، حيث تتراقص أعواد عباد الشمس الذهبية مع نسمات الهواء العليل، وتُغرد الطيور أعذب الألحان، كانت تعيش “ليلى”، فتاة ريفية بجمالها الطبيعي الأخاذ. عيناها اللامعتان كنجوم الليل، وشعرها الأسود المنسدل كشلال حرير، وبسمتها التي تُضيء الدروب. كانت ليلى حالمة، تعشق الحياة بكل تفاصيلها، وتجد الجمال في أبسط الأشياء. ومنذ نعومة أظافرها، كان قلبها يخفق بحب “أحمد”، ابن الجيران الوسيم، الذي كان يكبرها ببضع سنوات. أحمد، الشاب الطموح الذي غادر القرية ليكمل تعليمه الجامعي في المدينة، لكنه لم ينسَ قط جذوره أو الفتاة التي تركت بصمتها في قلبه.
مرت السنوات، وأصبحت ليلى فتاة يافعة، تزداد جمالاً وحلاوة. كانت تنتظر بفارغ الصبر عودة أحمد من الجامعة في الإجازات الصيفية. كان لقاؤهما المفضل دائمًا تحت شجرة التوت العتيقة التي تقف شامخة في غيط والده، شاهدة على براءتهما وأحلامهما المشتركة. تلك الشجرة التي كانت بمثابة ملاذ سري لهما، حيث يتبادلان أطراف الحديث عن أحلامهما، عن مستقبل ينتظرانه معًا.
كانت ليلى تتبع خطواته بصمت عندما يعود إلى القرية، وقلبها يخفق بقوة كلما اقتربت منه. كانت تحاول أن تخفي مشاعرها المتزايدة، لكن عيناها كانت تفضحانها. في كل مرة يلتقيان تحت شجرة التوت، كانت تتأمل قسمات وجهه، وتستمع إلى قصصه عن الحياة الجامعية بشغف. كان أحمد بدوره يجد في ليلى الراحة والسكينة، كان يُحب بساطتها وصدقها، وضحكتها الرنانة التي تُبهج قلبه.
في إحدى ليالي الصيف الدافئة، بعد يوم طويل من العمل في الحقل، جلسا كعادتهما تحت شجرة التوت. كان القمر بدراً يضيء وجه ليلى بضوئه الفضي، فبدت كحورية خرجت للتو من أساطير ألف ليلة وليلة. نظر أحمد إليها بعمق، وشعر أن اللحظة قد حانت ليُفصح عما يجول في خاطره.
“ليلى،” قال أحمد بصوت خافت، “لطالما كنتِ الأجمل في عيني، ومنذ زمن وأنتِ تسكنين قلبي.”
احمر وجه ليلى خجلاً، ولم تجد الكلمات لتُعبر عما تشعر به. فنظرت إليه وعيناها تلمعان بالدموع السعيدة.
ابتسم أحمد وهو يمسك بيدها بلطف، “عندما أُنهي دراستي، سأعود إليكِ، وسنُقيم أجمل بيت في هذه القرية، وسنُكمل حياتنا تحت ظلال هذه الشجرة التي شهدت على حبنا.”
تألقت عينا ليلى بفرحة غامرة، وشعرت أن حلمها قد أصبح حقيقة. وعدته بأنها ستنتظره، وأن قلبها لن يكون إلا له.
مرت الأيام والشهور، وأحمد يُكمل دراسته بنجاح، بينما ليلى تُزين منزلها بخيوط الأمل والحب. كانت رسائلهما تُضيء دروبهما، وتُقوي عهدهما.
وأخيرًا، جاء اليوم المنتظر. عاد أحمد إلى القرية حاملاً شهادته الجامعية، ومعه عهد بالحب الأبدي. كانت القرية كلها تشهد على قصة حبهما، قصة الفتاة الريفية الجميلة التي أحبت ابن الجيران، وشجرة التوت التي كانت شاهدة على كل لحظة من لحظات عشقهما.
في يوم مشمس وجميل، تزوجت ليلى وأحمد تحت شجرة التوت العتيقة التي احتضنت حبهما لسنوات. كانت السعادة تغمر وجوههما، والبهجة تملأ القلوب. لم يكن زفافهما كأي زفاف، بل كان احتفالاً بالحب الصادق، بالوفاء، وبالأحلام التي تحققت. وأصبحت شجرة التوت رمزًا لحبهما الخالد، يحكي للأجيال القادمة عن قصة “ليلى” و”أحمد”، قصة الحب الذي نما وترعرع في قلب الريف الهادئ، تحت ظلال شجرة التوت.
