مقالات

الدراما بين الترفيه وتشويه القيم الدينية: خطر يُهدد هوية المجتمع

د/حمدان محمد

تُعد الدراما أداة مؤثرة في تشكيل وعي كثير من الأفراد وتوجيه سلوكهم، فهي ليست مجرد وسيلة للترفيه، بل تلعب دورًا كبيرًا في غرس القيم والمبادئ أو هدمها. ومع الأسف، في السنوات الأخيرة، أصبحنا نرى في بعض الأعمال الفنية محاولات واضحة لتغيير المفاهيم المجتمعية، حيث تُقدَّم السلوكيات الخاطئة على أنها طبيعية ومقبولة، ويتم تشويه كل ما يرتبط بالدين والقيم الأصيلة.

ففي كثير من الأعمال الدرامية، نجد تمجيدًا واضحًا للبلطجة، حيث يُصوَّر البلطجي على أنه بطل صاحب موقف، يتمتع بالشجاعة والكرم، وكأن العنف أصبح وسيلة مشروعة لتحقيق الأهداف. والأخطر من ذلك، أن هذه الصورة بدأت تتغلغل في نفوس الشباب، فأصبحوا يقلدون هذه الشخصيات في مظهرهم وأسلوبهم وتصرفاتهم.

وإلى جانب ذلك، لا تكاد تخلو بعض الأعمال من العُري والمشاهد المنافية للأخلاق، في محاولة لجعلها أمرًا طبيعيًا في المجتمع، وكأن الهدف هو قتل الحياء وإفساد الذوق العام. وهذا يدفعنا للتساؤل: هل هذه هي الرسالة التي يُراد إيصالها إلى الأجيال الجديدة؟ ولمصلحة من يتم الترويج لهذه القيم الهدامة؟

ومن أخطر ما نلاحظه في بعض الأعمال الدرامية، هو استهداف صورة أصحاب التدين الحقيقي، حيث يُقدَّم صاحب اللحية والزي الإسلامي إما في صورة متطرف متشدد، أو شخص انتهازي يخدع الناس باسم الدين، أو منافق يظهر الصلاح ويخفي الفساد.

وهذه الصورة النمطية المتكررة ليست عشوائية، بل يبدو أنها جزء من حملة ممنهجة لتشويه صورة التدين في المجتمع، وإبعاد الناس عن التمسك بالقيم الإسلامية. والهدف الخفي وراء ذلك، هو زرع النفور من الالتزام الديني، وربط التدين بالتطرف، في وقت يحتاج فيه المجتمع إلى العودة للقيم الصحيحة.

والفن رسالة، ولا يمكن إنكار دوره في توجيه الشعوب، لكن المشكلة تكمن عندما يتحول إلى أداة لهدم الأخلاق ونشر الفساد الفكري. إننا بحاجة إلى أعمال درامية راقية، تقدم نماذج إيجابية، وتسلط الضوء على القيم الإسلامية والمبادئ الأخلاقية، بدلاً من تقديم المحتوى الذي يفسد العقول ويشوه الحقائق.

والمسؤولية في مواجهة هذا التيار لا تقع على عاتق جهة واحدة، بل هي مسؤولية الجميع:

1/الإعلاميون وصنّاع المحتوى: عليهم إدراك خطورة المحتوى الذي يُقدَّم، والعمل على إنتاج أعمال تحمل قيمًا نبيلة وتُسهم في بناء الوعي.

2/الأسرة: يجب أن يكون للآباء دور في توجيه أبنائهم، وتعليمهم التمييز بين المحتوى الهادف والمحتوى الفاسد.

3/المجتمع المدني والمؤسسات الدينية: ينبغي أن تكون هناك حملات توعوية، تدعو إلى مقاطعة الأعمال التي تشوه القيم وتروج للفساد الأخلاقي.

نحن بحاجة إلى دراما تعكس الواقع دون تزييف، وتُبرز القيم الإسلامية بصورة صحيحة، بدلاً من محاولات التشويه المستمرة. فالفن يمكن أن يكون وسيلة إصلاح وبناء، كما يمكن أن يكون أداة هدم وفساد، والفرق بين الأمرين يكمن في نية القائمين عليه.

وإن معركة الحفاظ على الهوية والقيم لا تقل خطورة عن أي معركة أخرى، وإذا استمر هذا الاستهداف الممنهج، فقد نجد أنفسنا أمام أجيال فقدت معاني الحياء والالتزام، واعتبرت الانحراف الأخلاقي هو القاعدة، والتدين هو الاستثناء. فهل ننتظر حتى نصل إلى هذه المرحلة، أم نتحرك الآن لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى