نجده محمد رضا
يُعدّ الصحابي الجليل حنظلة بن أبي عامر الأنصاري واحداً من أعظم رموز التضحية والإيمان في صدر الإسلام وقد خلد التاريخ اسمه بلقبٍ فريدٍ لم يُعطَ لأحدٍ غيره وهو “غسيل الملائكة” إذ حظي بشرفٍ عظيم حين تولّت الملائكة غسل جسده الطاهر بعد استشهاده في معركة أُحد.
وُلد حنظلة في المدينة المنورة لأسرةٍ أنصارية كريمة، وكان والده أبو عامر الراهب من كبار زعماء الأوس قبل الإسلام، لكنه لم يسلم، في حين آمن حنظلة بدعوة النبي محمد ﷺ من أول يومٍ سمع فيه الحق، فكان من المخلصين الثابتين على الإيمان.
تبدأ قصته الخالدة يوم معركة أُحد، حين سمع نداء الجهاد، وكان حديثَ عهدٍ بزواجٍ من جميلة بنت عبد الله بن أُبيّ، ابنة رأس المنافقين في المدينة
وفي تلك الليلة دُعي إلى القتال، فاستجاب فوراً دون تردد، وخرج من بيته مسرعاً وهو لم يغتسل بعد زفافه، قائلاً: “ما كنت لأتأخر عن نداء رسول الله ﷺ.”
وفي ميدان أُحد، قاتل حنظلة بشجاعةٍ منقطعة النظير، واندفع في صفوف المشركين حتى وصل إلى أبي سفيان بن حرب، وكاد أن يجهز عليه لولا أن باغته شدّاد بن الأسود فطعنه، فسقط شهيداً، وارتقى بروحه إلى السماء وهو على طهارته الإيمانية لا الجسدية.
بعد انتهاء المعركة، أخبر رسول الله ﷺ أصحابه قائلاً:
“إن صاحبكم تغسله الملائكة.”
فبعث الصحابة إلى زوجته يسألونها عن شأنه، فقالت: “خرج وهو جُنُب حين سمع نداء القتال.”
فأدرك النبي ﷺ أن الملائكة تولّت غسله ليطهر قبل أن يُرفَع شهيداً، ومنذ ذلك اليوم لُقِّب بـ حنظلة غسيل الملائكة.
وقد ظلّ هذا اللقب شاهدًا على صدق الإيمان وقوة اليقين، إذ جمع حنظلة بين طهارة النفس والجسد في أسمى معانيها، فخلّد الله ذكره في قلوب المؤمنين، وصار مثالاً يُحتذى به في التضحية والوفاء بالعهد.
إن قصة حنظلة ليست مجرد رواية عن بطلٍ في معركةٍ، بل هي درسٌ خالد في الإخلاص لله ورسوله، وتجسيد لمعنى التضحية في سبيل العقيدة، حيث امتزجت دماؤه بالطهر الإلهي، فصار شهيداً مغسولاً بيد الملائكة.
رحم الله حنظلة بن أبي عامر، وجزاه عن الإسلام
والمسلمين خير الجزاء.
