نجده محمد رضا
يُعدّ النبي شعيب عليه السلام أحد الأنبياء الكرام الذين بعثهم الله تعالى لهداية الناس إلى التوحيد والعدل، وقد خُصّ بذكرٍ كريم في القرآن الكريم، حيث أرسله الله إلى أهل مدين وأصحاب الأيكة، وهما قومان اشتهرا بالتطفيف في الكيل والميزان، وبالظلم في المعاملات التجارية. تميّزت دعوته عليه السلام بتركيزها على العدل الاقتصادي والأمانة في التجارة إلى جانب الدعوة إلى عبادة الله وحده
نسبه ومكانته
ينسب إلى إبراهيم عليه السلام، ويعتقد أن موطنه كان في منطقة مدين الواقعة بين الحجاز وبلاد الشام وقيل إنه ابن ميكيل بن يشجن، من ذرية مدين بن إبراهيم الخليل، ولذلك عُرف بـ نبي مدين. وقد أرسله الله إلى أهل تلك البلدة الواقعة شمال غربي الجزيرة العربية، قرب الحدود الأردنية الحالية.
اشتهر شعيب عليه السلام ببلاغته وحكمته، حتى لقّبه المفسرون بـ “خطيب الأنبياء”لبلاغته وفصاحته لما تميز به من قوة في الحجة، وجمال في البيان، ورفقٍ في الدعوة دعاقومه إلى التوحيد وترك الظلم، خاصة في الكيل والميزان، لكنهم كذبوه وسخروا منه. فأهلكهم الله
قومه وأحوالهم
أُرسل إلى قوم كانوا يمارسون الفساد والخداع في الكيل والميزان، بالإضافة إلى عبادة الأصنام، وتطاولوا على نبيهم
كان قوم مدين يعيشون في رغدٍ من العيش، إذ كانت بلدتهم تقع على طرق التجارة بين الشام واليمن ومصر، فكانوا أهل تجارة ومال. لكنّهم أساؤوا استخدام هذا الرخاء، فانتشرت فيهم الرشوة، والغشّ، والاحتيال، والتطفيف في الكيل والميزان، كما عبدوا الأصنام واتخذوا من دون الله شركاء.
قال تعالى في وصف دعوته لهم:
“وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ ۖ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا”
(سورةالأعراف الآية 88)
دعوة شعيب عليه السلام
دعاهم شعيب عليه السلام إلى التوقف عن ظلم الناس وعبادة الله وحده، وحذرهم من عاقبة طغيانهم، مؤكداً أن أجر دعوته على الله وليس على قومه.
كانت دعوة شعيب عليه السلام تقوم على ثلاثة أركان أساسية:
1. توحيد الله عز وجل وترك عبادة الأصنام.
2. العدل في المعاملات، ومنع التلاعب بالمكاييل والموازين.
3. الإصلاح الاجتماعي بمنع الفساد في الأرض، سواء كان فسادًا ماليًا أو أخلاقيًا.
وقد واجه عليه السلام رفضًا شديدًا من قومه، وسخرية من دعوته، حيث قالوا له ساخرين
“أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ”
(سورةهود الآية87)
وكان ردّ شعيب عليهم بكل أدب وثبات:
“إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ”
(سورةهود الآية 88)
تكذيب القوم وعقابهم
رغم التحذيرات المتكرّرة، أصرّ قوم مدين على كفرهم وظلمهم، وتمادوا في عنادهم حتى هددوا نبيهم بالطرد والرجم. عندها توجّه شعيب إلى الله بالدعاء، فاستجاب له سبحانه وأرسل عليهم رجفةً عظيمة أهلكتهم جميعًا.
قال تعالى:
“فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ”
(سورة الأعراف الآية 91)
ونجا شعيب عليه السلام ومن آمن معه بأمرٍ من الله، ليكون في ذلك عبرة لكل من يتلاعب في الميزان بعد أن رفض قومه دعوته وتمسكوا بضلالهم، أهلكهم الله بعذاب شديد، وأنجى شعيب والمؤمنين معه.
الدروس والعبر من قصته
قصة شعيب عليه السلام تحمل رسائل خالدة للبشرية في كل زمان ومكان، منها
أن العدل أساس صلاح الأمم، وأن الظلم سبب الهلاك والخراب.
أن الفساد الاقتصادي والغشّ التجاري من أخطر صور الانحراف التي تفسد المجتمعات.
أن الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة سبيل الأنبياء في هداية الناس.
أن الثقة بالله والثبات على الحق هما طريق النصر والنجاة.
صلته بموسى عليه السلام:
يذكر أن النبي شعيب هو الذي زوّج ابنته لسيدنا موسى عليه السلام عندما لجأ إليه فاراً من فرعون، وذلك بعد أن قضى موسى عنده أجيراً لسنوات، وإن كان هناك خلاف في كون صاحب مدين الذي زوّج ابنته هو نفسه شعيب النبي، حيث أن زمن شعيب المبعوث لقومه يسبق زمن موسى.
لقد كان النبي شعيب عليه السلام مثالًا في الصبر والثبات والإخلاص، دعا قومه بالحجة واللين، ووقف في وجه الظلم والفساد رغم عناد القوم وتكذيبهم
تبقى قصته رسالةً خالدة تُذكّر بأن العدالة في الميزان والصدق في المعاملة ليست مجرد فضائل أخلاقية، بل أوامر إلهية لا قيام لمجتمعٍ بدونها
