بقلم : أحمد المسلماني
للصباح سر لا يعرفه احد يبدأ ببطء كأن الدنيا تتذكر نفسها بعد ليلة طويلة
أمد يدي إلى القهوة كأنني أمدها الى باب يفتح من الداخل
رائحتها تتقدم وحدها تمشي في الهواء مثل ظل يعرف طريقه
أرفع الفنجان فأشعر ان العالم يتراجع خطوة وان الضوضاء تنحني احتراما للحظة صغيرة لا يراها غيري
أجلس أمام النافذة اراقب الضوء وهو يزحف على الحيطان كجندي مرهق يعود من معركة لم ينتصر فيها احد
كل شيء يبدو ثقيلا قبل القهوة حتى الأفكار تتعثر كأنها خرجت من نوم عميق
وكل صباح أقول لنفسي سأواجه اليوم وحدي بلا سند ولا قهوة
لكن الحقيقة تكشف نفسها في أول دقيقة
فأعود إلى الفنجان كعائد إلى وطن يعرف أن خلاصه يبدأ من جرعة ساخنة تبث فى دمه قليلا من الشجاعة
القهوة تعرفنا اكثر مما نعرف انفسنا
تعرف خوفنا الصغير الذى نخبئه فى اخر الليل
تعرف ارتجافة القلب قبل مواجهة واقع لا يرحم
تعرف اننا لا نحتاج معجزة
نحتاج فقط ما يمنعنا من السقوط قبل أن نبدأ
وحين تدخل دفؤها في صدري اشعر ان الضحك يعود من منفاه
ان الحياة ليست شبحا اسود كما تبدو من بعيد
ان الناس ليسوا سكاكين تمشي على قدمين
انني لست مرهقا
انا فقط افتقدت القهوة
وحين حاولت يوما ان استغني عنها فهمت ان الاستغناء عنها يشبه السير في شارع مظلم بلا دليل
ممكن نعم
لكن القلب يدفع الثمن كله
لذلك ارفع فنجاني كل صباح
لحظة صامتة اوقع فيها هدنة صغيرة مع العالم
هدنة لا يدركها احد
لكنها تنقذ يومي من الانكسار
فالصباح بلا قهوة يشبه بابا يفتح على فراغ
يمضي نعم
لكنه يمضي ناقصا
يمضي كأنه يبحث عن شيء نسيه في الطريق
