بقلم السيد عيد
من يومين يا سادة، نزلت أشتري جاكيت جديد… كنت رايقً ومبتهجً، أمشي في الشارع وأنا أشعر كأنني نجم في إعلان لأحد البراندات العالمية، حيث يلاطف نسيم الهواء ياقة الجاكيت وأنا في كامل أناقتي وثقتي. دخلت أول محل، وإذا بي أرى جاكيتًا من جلد ماعز نعم، جلد ماعز مُعلَّقا بسعر يثير الدهشة: خمسة عشر ألف جنيه. تمتمت في نفسي: «لا بد أن هذا ليس جلدًا عاديًا، بل معزة بأكملها محتجزة داخل الجاكيت!» نظرت إلى البائع، الذي وقف ثابتًا كتمثال بوذا، يبتسم ابتسامة الواثق من أمره، فألقيت عليه بسؤال ساخر:
– «يا باشا، هل هذا جلد ماعز حقًا؟»
فأجابني بكل برود:
– «لا يا فندم، هذا جلد معزة راقية!»
معزة راقية! فما هذه المعزة التي يبلغ جلدها ثمن سيارة مستعملة؟! لو كانت تلك المعزة لا تزال على قيد الحياة، لكانت بالتأكيد قد استأجرت محاميًا دفاعًا عنها، وربما حجزت لنفسها جلسة تدليك بعد عناء الحلب!
واصلت طريقي إلى المحل التالي وأنا أفكر: «ربما فقد العالم عقله، وربما الأسعار وُلدت وترعرعت في بيت يُدرّس فيه التنانين!» دخلت محلًا آخر، فوجدت جاكيتًا من القماش بسعر جهاز عروسة، وجاكيتًا من جلد التمساح بثمن شبكة عروسة، وواحدًا من جلدٍ غامضٍ مكتوب عليه «جلد نادر»، بدا لي كجلد كتكوت متفوق دراسيًا!
عدت إلى بيتي بعد هذه الجولة وأنا أُدرك أن الجواكت لم تعد مجرد ملابس تُرتدى، بل تحولت إلى شهادات استثمارية بامتياز. لقد أصبحت عملية شراء الجاكيت تحتاج إلى مفاوضات دولية، وضمانات شاملة، وتأمين ضد السرقة، وقرض من البنك والأهم من ذلك، الادعاء بأن المعزة صاحبة الجلد لا تظهر وتطالب بحقوق ملكيتها الفكرية!
اللي يلبس جاكيت جلد ماعز بـ15 ألف جنيه… أكيد الماعزة نفسها ماضية له على الإيصال!
لكن وسط هذا الجنون، لا يمكنني إلا أن أتساءل عن أولئك الذين لا يملكون رفاهية هذه الرفاهيات، أولئك الذين يواجهون برد الشتاء القارس بملابس رقيقة، لا تكفي لحمايتهم من قسوة الليل. هناك من يموتون في صمت، لا لأنهم لا يريدون الدفء، بل لأن دفء الجاكيتات الراقية أصبح من الكماليات البعيدة، غالية الثمن إلى حدّ يجعلها حلمًا بعيد المنال.
في زمن ترتفع فيه الأسعار إلى عنان السماء، ويغدو الجلد النادر هو عنوان الغنى، لا بد أن نتذكر أن الإنسان لا يُدفأ بفاخر الثياب، بل بالعدل والكرامة، وأن لا نجعل من المعزة التي تمنحنا الحليب واللحم، رمزًا لبؤس الفقراء الذين لا يجدون حتى شيئًا ليقيهم البرد.
