دوامة الحرام.. كيف يبدأ صغيرًا ثم يطبع على القلب؟

د/حمدان محمد
قال رسول الله ﷺ: “تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير القلوب على قلبين: قلب أسود مربادًّا كالكوز مجخيًا، لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أشرب من هواه، وقلب أبيض لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض.” (رواه مسلم).
فهذه الحقيقة النبوية تكشف لنا كيف يتحول الإنسان من الشعور بالذنب إلى الغرق في الحرام دون إحساس، بل قد يصبح داعيًا إليه! إنها دوامة الحرام التي تبدأ بخطوة صغيرة ثم تتسع حتى تبتلع القلب والعقل معًا.
كيف تبدأ الدوامة؟
1. أصعب الحرام أوله:
في البداية، يشعر الإنسان بالرهبة عند الإقدام على معصية، ويتردد قبل ارتكابها، لأن النفس لا تزال على فطرتها السليمة، والضمير ما زال يقظًا.
2. ثم يسهل:
مع التكرار، يصبح الحرام أقل صعوبة، ويبدأ القلب في التكيف معه، فلا يعود يشعر بنفس الحرج الذي شعر به أول مرة.
3. ثم يستساغ:
يبدأ الإنسان في تبرير الحرام لنفسه، فيراه أمرًا عاديًا لا يستحق كل هذا القلق، وربما يقنع نفسه بأنه لا ضرر فيه.
4. ثم يؤلف:
مع الوقت، يتحول الحرام إلى عادة يومية، ويصبح جزءًا من السلوك المعتاد، فلا يجد صاحبه غضاضة في فعله.
5. ثم يحب:
في هذه المرحلة، لا يكتفي الإنسان بفعل الحرام، بل يصبح مغرمًا به، يسعى إليه بشغف، ويدافع عنه إذا انتقده أحد.
6. ثم يُطبع على القلب:
وهي أخطر مرحلة، حيث يُغلق باب التوبة، ويصبح القلب أسود لا يرى الحق ولا يستنكر الباطل، كما جاء في الحديث الشريف.
7. ثم يبحث عن حرام غيره:
لأن الحرام لا يشبع صاحبه، يبدأ في البحث عن معاصٍ جديدة، ويريد أن يجرب كل ما هو محرم، ظنًا منه أن السعادة في ذلك.
8. ثم ينشره:
لا يكتفي بفعل المعصية، بل يدعو غيره إليها، حتى لا يشعر بالذنب وحده، وربما استعمل وسائل الإعلام والتواصل لنشر الفساد.
9. ثم يدعو إليه:
وهذه هي قمة الانحراف، حيث يتحول إلى داعية للباطل، يجادل ويبرر، ويهاجم أهل الحق، تمامًا كما قال الله تعالى: “وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ” (القلم: 9).
ولكن كيف نحمي أنفسنا من هذه الدوامة؟
1/المراقبة الذاتية: لا تستهن بأي معصية، فكل الحرام كان صغيرًا في بدايته.
2/التوبة السريعة: لا تؤجل الرجوع إلى الله، فالتوبة الصادقة تقطع طريق الانحراف.
3/الصحبة الصالحة: من يجالس أهل الطاعة يبقى قلبه حيًا، ومن يجالس أهل المعاصي يغرق معهم.
4/الذكر والاستغفار: قال النبي ﷺ: “إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم.”
إن أخطر ما في الحرام أنه يبدأ لذة وينتهي حسرة، ويجر صاحبه إلى ما هو أفظع، حتى يطبع على قلبه. فلنحذر جميعًا من التهاون، ولنتذكر أن القلب السليم هو أثمن ما نملك، فلا نضيّعه بالمعاصي.