الطريقة الغامضة لتحنيط الموتى في إيطاليا

د. إيمان بشير ابوكبدة
في بلدة فينزوني الصغيرة المحصنة في إيطاليا، اكتشف اكتشافٌ مذهل في القرن السابع عشر. عثر على عدة جثث محنطة في سرداب كنيسة البلدة، لكن كيفية وصولها إلى هذا الوضع ظلت لغزًا. منذ إخراجها من السرداب، انبهر علماء الآثار بعملية التحنيط الطبيعية التي جرت. وحتى اليوم، لا تزال لغزًا.
تم رصد المومياوات أثناء البناء
كان العمال يشيدون كاتدرائية المدينة عام 1647 عندما عثروا على أول مومياء. وكانوا يعملون على توسيع الكنيسة التي تعود إلى القرن الرابع عشر، وكانوا يعملون في سرداب الكنيسة عندما اكتشفوا القبر الواقع أسفل الأرضية.
كانت المومياء التي اكتشفوها في حالة فريدة. يعود تاريخها إلى القرن الرابع عشر الميلادي، عندما بُنيت المقبرة لأول مرة. كانت الجثة خالية من أي سوائل، وكان جلدها جافًا، يشبه قوام ورق البرشمان. بلغ وزنها حوالي 33 رطلاً، وكانت هذه المومياء الأولى منحنية الظهر، مما أكسبها لقب “غوبو” (أي الأحدب). ترك عمال البناء غوبو في مكانها لأنهم لم يتمكنوا من استخراجها بأمان.
لاحقًا، عثر في المقبرة على عدة مومياوات أخرى ، يصل عددها إلى 40. يتراوح وزنها جميعًا بين 22 و44 رطلاً، وكانت تشترك في سمة واحدة، وهي تجفيفها وحفظها تمامًا. لم تُستخرج من القبر وتنقل إلى سطح الأرض إلا في القرن التاسع عشر. ومن هناك، نقلت المومياوات إلى متحف فيينا، وجامعة بادوا، وكنيسة المعوقين في باريس.
كانت إحدى وعشرون مومياءً موجودةً في الكنيسة العلوية فوق القبو عندما عُثر عليها في فينزوني. ومع ذلك، في عام 1976، تعرضت المدينة لزلزالٍ عنيفٍ للغاية. كان الزلزال قويًا لدرجة أن العديد من المباني في المنطقة سويت بالأرض تمامًا. لم تخل الكنيسة من الأضرار، حيث دمرت ست من أصل 21 مومياءً مخزنةً فيها. لا تزال المومياوات الخمس عشرة المتبقية موجودةً في فينزوني، التي أُعيد بناؤها مع مرور الوقت.
كيف تم الحفاظ على المومياوات بشكل طبيعي بهذه الطريقة الجيدة؟
لأن هذه الجثث لم تكن مخصصة للتحنيط، فلا بد أن العملية حدثت بشكل طبيعي. يعتقد الباحثون أن عملية التحنيط الطبيعية بدأت بعد عام من دفنها. إلا أن كيفية حدوثها لا تزال تحير الباحثين حتى اليوم. طُرحت نظريات متعددة قد تفسر كيف جفت هذه الجثث تمامًا مع بقاء جلدها محفوظًا بشكل ممتاز.
من جهة، عثر على فطر مجهول في المقبرة التي عثر فيها على المومياوات. كان الفطر موجودًا على جدران المقابر وتوابيت المومياوات، وقدرته على امتصاص كميات كبيرة من السوائل تعني أنه ربما كان له علاقة بعملية التجفيف. سمي الفطر Hypha tombicina، نسبةً إلى اسم المقبرة التي عُثر عليه فيها.
دحض آخرون هذه النظرية، معتقدين أن الفطر في القبر لم يكن كافيًا لامتصاص هذه الكمية الهائلة من السائل وحفظ الجثث سليمة. بل قدم اقتراح بأن أرضية الحجر الجيري للقبو وفرت المناخ المناسب للتحنيط. ويعتقد البعض أن السبب ربما كان مزيجًا من كلا العاملين.
لذا، فإن علماء الآثار الذين يسعون إلى فهم كيفية حفظ المومياوات طبيعيًا لا يملكون سوى خيارات محدودة لأبحاثهم. فهم يستطيعون الوصول إلى العينات الأصلية التي أُخذت أثناء استخراج ونقل المومياوات المختلفة، ولكن لا يمكنهم تتبع الكثير منها. كما يمكنهم محاولة محاكاة ظروف القبو الذي عثر فيه على المومياوات. ولكن للأسف، تبيّن أن هذه المهمة بالغة الصعوبة ولم تنجز بنجاح.