مسجد سيدي عبد الرحيم القنائي.. منارة الروح والتاريخ في قلب قنا

أحمد حسني القاضي الأنصاري
في قلب مدينة قنا، حيث يتناغم عبق التاريخ مع روحانيات المكان، يقف مسجد سيدي عبد الرحيم القنائي شامخًا، شاهدًا على قرون من التصوف والعلم، ومزارًا يقصده الآلاف من محبي آل البيت وأولياء الله الصالحين. يُعد المسجد واحدًا من أبرز المعالم الدينية في صعيد مصر، فهو لا يقتصر على كونه مكانًا للعبادة فقط، بل يعد مركزًا روحيًا وثقافيًا له مكانة خاصة في قلوب أهالي قنا والمحافظات المجاورة. بُني المسجد فوق الضريح الشريف للإمام عبد الرحيم القنائي، أحد كبار أقطاب الصوفية، الذي يعود نسبه إلى الإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما.
وُلد سيدي عبد الرحيم في المغرب الأقصى عام 521 هـ، وسافر في طلب العلم حتى استقر في مدينة قنا، التي أصبحت موطنًا له ومركزًا لنشر العلم والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة. عُرف عنه الزهد والتقوى والكرامات، حتى أصبح له مريدون كُثر، وانتشر ذكره في أنحاء مصر.
يمتاز المسجد بطراز معماري فريد يجمع بين الطابع المملوكي والعثماني، وتُزين جدرانه النقوش الإسلامية البديعة. كما يحتوي المسجد على الضريح الشريف، الذي يعلوه قبة خضراء مهيبة، حيث يُقرأ القرآن والدعاء طوال اليوم. وقد شهد المسجد العديد من التوسعات والترميمات على مر السنين ليظل صرحًا يليق بمكانة صاحبه الجليلة.
يُعد مولد سيدي عبد الرحيم القنائي من أكبر الموالد الشعبية في مصر، ويُحتفل به سنويًا في شهر شعبان، ويشهد حضورًا كثيفًا من الزوار والمحبين من مختلف الأماكن. تتحول مدينة قنا خلال أيام المولد إلى ساحة احتفال كبيرة، تتزين بالأنوار وتُقام حلقات الذكر والإنشاد الديني في أجواء روحانية خالصة.
يعد مسجد سيدي عبد الرحيم القنائي ليس فقط معلمًا دينيًا، بل رمزًا للتسامح والمحبة بين أبناء الوطن. فهو يجسد صورة حية للتكافل والتراحم، حيث يفتح أبوابه لجميع من يقصد باب الله، بغض النظر عن انتمائهم أو خلفياتهم.