ديني

السلب بعد العطاء حين يختبرنا الله بعد النعمة

د / حمدان محمد
في زمن تتقلب فيه القلوب وتتغير فيه الأقدار نرى حولنا مشاهد حقيقية تحمل لنا دروسا بليغة من تدبير الله عز وجل نرى أناسا كانوا بالأمس القريب في مقدمة الصفوف يتصدرون المشهد تتسابق إليهم الأنظار وتفتح لهم الأبواب ويعيشون في وفرة من المال والجاه والشهرة وكأن الدنيا قد دانت لهم بكل ما فيها ثم لا يلبث الحال أن يتبدل فإذا بهم يعودون إلى حيث بدأوا وربما إلى أقل من ذلك تغيب الأضواء وتغلق الأبواب وتنقلب الأمور رأسا على عقب فلا جاه ولا شهرة ولا مال وكأن ما كان لم يكن وهذه ليست قسوة من الزمان ولا مؤامرة من البشر بل هي حكمة من الله واختبار لعباده الصبر
هل يصبرون بعد النعمة كما شكروا أثناءها؟
ولقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان بين حالين إما شكر في الرخاء أو صبر في البلاء وكلاهما خير فقال صلى الله عليه وسلم (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له)
وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم( اللهم إنا نعوذ بك من السلب بعد العطاء) لأنه يعلم أن القلوب قد تزيغ بعد أن تستقر وأن العبد قد يفتن حين يُرفع عنه ما كان فيه من نعم لذلك علينا أن نتمسك بهذا الدعاء وندعو به في كل حال فتأمل كم من شخص كان ملء السمع والبصر تتزين له الشاشات ويتحدث الناس عنه في كل مجلس وكانت الأموال تتدفق عليه والعقود تتوالى وكأن النجاح حليف دائم له ثم تغير كل شيء ولم يعد له في الدنيا من الذكر كما كان بل أصبح يبحث عن لقمة العيش وعن من يقف معه بعد أن كان لا يحتاج لأحد
فهنا لابد أن نقف لنتأمل ونتعلم فالنعم لا تدوم والتوفيق لا يكون إلا من عند الله وما نحن فيه من خير فهو محض فضل من رب العالمين فإن سُلب منا شيء فلنراجع أنفسنا ولنسأل الله الثبات واللطف فيما تبقى لنا من العمر
ولا ينبغي لنا أن نشمت في أحد ولا أن نفرح بسقوط غيرنا بل نكون عونا لمن نزل به البلاء ونحمد الله على ما نحن فيه وندعوه ألا يغير علينا حالنا إلا إلى ما هو خير وأن يرزقنا التواضع عند الرفعة والصبر عند الشدة
ولنردد دائما دعاء نبينا الكريم( اللهم إنا نعوذ بك من السلب بعد العطاء ومن تحول العافية ومن فجأة النقمة ومن جميع سخطك)
فمن فهم هذا الدعاء وعاش به سلم قلبه واطمأن وعرف أن ما عند الله خير وأبقى وأن الدنيا مهما أعطت فإنها لا تساوي شيئا إن لم تكن في طاعة الله

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى