السينما المصرية من زمن الأبيض والأسود إلى الثورة الرقمية : قرن من الإبداع والتميّز

كتب : جمال حشاد
تُعد السينما المصرية واحدة من أقدم وأهم الصناعات السينمائية في العالم العربي، حيث عُرفت بلقب “هوليوود الشرق”، وقد واكبت التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية على مدار أكثر من مئة عام، بداية من أفلام الأبيض والأسود وحتى الثورة الرقمية الحالية.
البداية… زمن الأبيض والأسود
انطلقت السينما المصرية في العشرينيات من القرن الماضي، مع أفلام مثل “ليلى” (1927) و”زينب” (1930)، وسرعان ما أصبحت جزءًا أصيلًا من الثقافة المصرية. ازدهرت في الأربعينات والخمسينات، التي تُعد العصر الذهبي، حيث ظهرت نخبة من كبار الفنانين مثل فاتن حمامة، عمر الشريف، أنور وجدي، وشادية.
تميّزت هذه المرحلة بالأعمال التي جمعت بين الرقي الفني والرسالة الاجتماعية، رغم قلة الإمكانات التقنية.
السبعينات والثمانينات: موجة التغيير والواقعية الجديدة
مع التحولات السياسية التي تبعت نكسة 1967، ظهرت موجة من الأفلام التي ناقشت بجرأة الواقع السياسي والاجتماعي، وبرزت أسماء مثل محمد خان، عاطف الطيب، وخيري بشارة، الذين اعتمدوا على الواقعية في الطرح واختاروا الشارع المصري كمسرح للقصص.
رغم التحديات الإنتاجية، اتسمت تلك المرحلة بجرأة المضمون وعمق الرسالة.
التسعينات وبداية الألفية: التراجع المؤقت والانتعاش الجديد
شهدت التسعينات تراجعًا نسبيًا في جودة الأفلام، وسط هيمنة الأعمال التجارية ذات الطابع الخفيف، ومع ذلك برزت أفلام مهمة لعب فيها نجوم مثل أحمد زكي ويسرا أدوارًا قوية، أعادت التوازن.
ومع بداية الألفينات، عادت الروح للسينما عبر وجوه شابة وأفكار جديدة، مزجت بين الكوميديا والدراما والرسائل الاجتماعية.
الثورة الرقمية… مرحلة جديدة من الإبداع
في العقد الأخير، دخلت السينما المصرية عصرًا جديدًا بفضل التكنولوجيا الرقمية. أصبحت تقنيات التصوير والمونتاج والمؤثرات البصرية أدوات رئيسية، وأفرزت أفلامًا عالية الجودة مثل “الفيل الأزرق”، “كيرة والجن”، و”هيبتا”، والتي نافست على مستوى عربي وعالمي.
كما ساهمت منصات العرض مثل “شاهد”، “نتفليكس” و”Watch It” في فتح نوافذ جديدة للمواهب الشابة والإنتاج المستقل.
تحديات الصناعة في العصر الحديث
ورغم هذا التقدم، لا تزال هناك تحديات بارزة تواجه صناعة السينما، منها ارتفاع تكاليف الإنتاج، نقص النصوص القوية، تركيز بعض المنتجين على الربح السريع، وتراجع دور قاعات السينما مقابل المنصات الرقمية.
لكن يبقى الأمل في المبدعين الحقيقيين الذين يحاولون تقديم أعمال تحترم عقل المشاهد وتنافس عالميًا.
جيل جديد من المبدعين
برع عدد من المخرجين في تقديم أعمال فنية لافتة في السنوات الأخيرة، مثل مروان حامد وتامر محسن ومحمد دياب، مع صعود جيل جديد من النجوم مثل كريم عبد العزيز، هند صبري، منى زكي، أحمد حلمي، وأحمد مالك، والذين ساهموا في تجديد الخطاب السينمائي وتوسيع قاعدة الجماهير.
دور الدولة والمهرجانات
شهدت السنوات الأخيرة عودة قوية للمهرجانات السينمائية، وعلى رأسها مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، ومهرجان الجونة، وهي مناسبات تُعد نوافذ حيوية للترويج للأعمال المصرية على الساحة الدولية.
كما تبذل الدولة جهودًا في دعم صناعة السينما من خلال البنية التحتية وتقديم التسهيلات اللازمة.
الخاتمة: ذاكرة وطن وصناعة مستمرة
السينما المصرية ليست فقط وسيلة للترفيه، بل هي مرآة المجتمع وذاكرة الوطن، تعبّر عن الواقع وتحاكي الأحلام. وبين تحديات العصر الحديث وفرص التطور، تظل السينما المصرية قادرة على تجديد نفسها، لتبقى في صدارة المشهد الثقافي العربي.