سمير المطيعي:
رحلة سريعة مثيرة في صيف المرحلة الجامعية
الي روما …
غادرت مسكني المتواضع الرخيص حيث كل مقيم ينام علي سريره في حجرة ضيقة بها دستة او اكثر من الأسِرة وعليك ان تضع تحت سريرك متعلقاتك واغراضك او حقيبة سفرك ،نظام علي اد فلوسك ياخويا.
اما مستنداتك المهمة مثل تذاكر السفر والجواز حتي النقود فكانت تترك مع صاحب هذا البنسيون العجوز ليضعها في حجرته الخاصة حيث يعيش مع اسرته.
لابد ان يستيقظ كل زبون ويغادر البنسيون قبل الثامنة صباحا اجباري بلا اي استثناء ولا وجود لحل آخر ،
الي اين لا ادري ! عيناي شبه مغلقتان وانا اسير في شوارع روما الواسعة !
اسير بلا تركيز من شارع الي آخر
اين الشاي اين قهوة الصباح اين قطعة ولو صغيرة من المخبوزات الصباحية التي اعتدت عليها ؟
تركت الشوارع الفرعية و اتجهت الي الشارع الرئيسي التجاري القريب مني هنا بدات انظر ولاول مرة في شوارع روما نعم هناك الناطقون بلغتي يسيرون في الشارع.
كيف اسالهم عن مكان او مقهي قريب شعرت بالخجل فانا لا اعرفهم
وسرعان ما نسيت فكرة طلب او سؤال من احد واتجهت الي المحلات والمقاهي راساً بدأت انظر من الخارج ، ما هذا؟ وماذا يبيع هنا ؟ هذا المكان مزدحم ماذا يبيع ؟ انها كافتيريا ، جميل ، ماذا عندهم وماذا يبيعون قرأت الاسعار ، القهوة ب 3 مثلاً لا غالية الشاي ب 3 طبعاً غالي ايضاً، الخبزيباع هنا بالميزان ، اي عليك ان تقول للبائع اريد نصف كيلو من هذا النوع من الخبز وعليك ان تختار ما تريد من بين عشرات الانواع من تلك المخبوزات المعروضة داخل صناديق زجاجية نظيفة جداً وابوابها من ناحية البائع فلا يستطيع احدا من الزبائن ان يلمس اي قطعة من الخبز او الشطائر المحشوة بالسكر او الجبن والاسعار امامك اختار ب5 لا ، ب 3 لا يمكن هذا المكان غالي جداً .. ويمكن قلت سراً وبلا صوت ايه الحرامية دولم ؟ صدمت من أول او ثاني محل رايته
عشنا وشوفنا العيش يباع عندهم بالميزان ، معقولة!! ؟ فينك يابلدي اروح اجيب 10 ارغفة ب 10 قروش.
ضحكت او خدعت نفسي وقلت اضحك واعتبر نفسك احد السواح الاجانب ، سر واستمتع واستطلع قدر استطاعتك علك تكتشف مكانا يبيع باسعار متواضعة
تنقلت من محل لآخر ومن مقهي الي فاترينة مطعم او كافيتريا لا هم لي الا النظر وقراءة الاسعار وغالباً مكتوبة بخط واضح كبير مفهوم الآن المزاج ليس علي ما يرام فلابد ان اقرر ماذا آكل او اشرب في هذا الصباح فيومي طويل من حديقة الي اخري ومن شارع لآخر تجنباً لاي نوع من مضايقات المتطفلين معاك سيجارة عاوز سجاير رخيصة معاك دولارات تبدل بالعملة الايطالية – ميلا ليرة – اسعار احسن من الصرافة والبنوك، بلطجية وتجار عملة هنا وهناك ، لمحت من بعيد علي الرصيف المقابل محل بيتزا ، عبرت الشارع الواسع الكبير ، ههههه ، اخيرا وجدت شئ افهمه ولو قليلاً نظرة سريعة علي زجاج العرض كل انواع البيتزا تغري عينك طازجة ساخنة برائحة الفرن .. جميل سعر القطعة المثلثة ب1 جميل جدا ثلاثة رفوف زجاجية داخل فترينة العرض الزجاجية تحت اضواء المصابيح الحرارية ، هههه الزهر لعب ياولد ، اخيرا وجدت حاجة معقولة الثمن ، جميل جدا من فضلك اريد مثلث من البيتزا … ناولته 1 ميلا ليرة – عملة ايطاليا قبل اليورو – اخذ الميلا ليرة وقال لي اي شطيرة تريد او اي طعم تحب ؟ وطبعا يسالني بلغة لا اعرف حرفاً واحداً منها ، فأشرت له باصبعي من هذا النوع . نظر لي باستغراب وسألني بطريقة وبصوت اعلي من قبل ،و بنغمة صوتية اعلي من طريقة كلامة
أتريد من هذه الصينية؟ قلت نعم ، واردف قائلاً ومن هذا النوع ؟ وتفاديا للاحراج قلت له نعم وهززت راسي بكل اصرار رأيت في عينية علامات الدهشة والتعجب!!
واخذ طبق ورقي ووضع عليه منديلا انيقا وفوقه وضع مثلث من فطيرة البيتزا التي اشرت اليها ،
كنت جوعان من طول السير والبحث عن سعر مناسب لاِفطار او لكوب من الشاي اخذت البيتزا وخرجت من باب المحل ومازال الرجل ينظر الي ما عسي انا فاعل بهذة الفطيرة ؟ ومع اول قضمة منها تيقنت وتاكدت عن سبب اسئلة الرجل الكثيرة ،
في اول يوم في روما صعقت ، ومازال الرجل ينظر لي من بعيد باستغراب ، .لقد اشرت مع سبق الاصرار والترصد الي هذا النوع من البيتزا ،
لا يمكن ان تكون افطاراً لشخص بالغ طبيعي ،
لا تسالني ماذا كان شعوري وحالي حينما ذقتها بل شممت رائحتها قبل ان اقربها لفمي
شطيرة بيتزا محشوة سمك مملح” انشوفي”
كل ياولد ، حاول ، رائحة صعبة ، فانا لا آكل في بلادي لا سردين ولا فسيخ ، هنا اشتري وافطر هذا النوع من البيتزا ؟!!
حاولت ان استمر بعد اول قضمة ، لا يمكن ابداً بل اخرجت ما اكلته في سلة المهملات بالشارع ، لاحظت ان الرجل صرف النظر عني ليبيع لشخص آخر
حاولت ان أبتلعها بأقل قدر من الكرامة، وبدأت أبحث بنظري عن أقرب صنبور ماء، نافورة، أي شيء! لكن لا ماء… لا شاي… لا قهوة.
بل حتى لا مفر. كنت قد دفعت “1 ميلا ليرة” كاملة، ثروة بمعايير طالب مسكين.
رحت أتماسك، وأقول لنفسي:”
ضحكتُ في سري، وهززت رأسي بإيجاب وهمي، كأني أقول:
“نعم… رائعة… لن أنسى هذه التجربة أبدًا.”
وفي قلبي، كنت أفكر:
أخذت الشطيرة، ووضعتها بهدوء على سور حديقة عامة، ثم ابتعدت قليلاً وجلست علي احد المقاعد الرخامية القريبة .
وما هي إلا لحظات… حتى اقتربت قطة رومية مستديرة الوجه ضخمة البنيان،
نظرت لي،
ثم نظرت إلى الشطيرة، شمتها… ثم ابتعدت، وهي تُمغمغ في فمها شيء آخر وقلت لها كلمة تشجيع بلغتي ، برافو جدعة كلي بالهنا والشفاء ،
نظرت لي وبحلقت بعينيها المستديرتين ، وابتعدت عني بكل كبرياء ، وكانها تقول شكراً ، انا لست غبية ،
انا لا افطر انشوفي ابداً
والي لقاء آخر