الأحد 6 ربيع الثاني 1447 | 28 - سبتمبر - 2025 - 5:02 م
الرئيسيةملفات و تحقيقاتالأصفر...بطل الأرواح : كيف أصبح طلاء حافلات المدارس عاملًا حاسمًا في إنقاذ...

الأصفر…بطل الأرواح : كيف أصبح طلاء حافلات المدارس عاملًا حاسمًا في إنقاذ ملايين الأرواح

د.نادي شلقامي

من الطبيعي رؤية اللون الأصفر يسيطر على الشوارع كل صباح دراسي؛ فالأمر يتكرر: حركة مرور متباطئة، وتوقف حافلات صفراء زاهية لالتقاط الطلاب من منازلهم. لكن هذا المشهد الذي قد يبدو عادياً جداً لم يأتِ من فراغ، بل هو نتاج قرار علمي ومدروس اتُّخذ قبل ما يزيد عن 85 عاماً بهدف رئيسي هو تعزيز السلامة المرورية وحماية الأطفال.

اختيار اللون الأصفر لحافلات المدارس لا يرتبط بمجرد تقليد تاريخي أو تفضيل جمالي، بل يستند إلى دراسات علمية حول الرؤية والإدراك البصري. فالأصفر من أسهل الألوان التي تلتقطها العين البشرية، خاصة في ضوء النهار، إذ يعكس كمية كبيرة من الضوء ويظل واضحا حتى في الظروف الجوية السيئة مثل المطر أو الضباب. كما أن العين حساسة بشكل خاص لطول الموجة الخاص بالأصفر، ما يجعله مرئيا بوضوح سواء كان السائق ينظر مباشرة إليه أو يراه من زاوية الرؤية الجانبية، وهي ميزة حاسمة في الطرق المزدحمة التي تتطلب اتخاذ قرارات سريعة.

ورغم أن اللون الأحمر يُعرف بلفت الانتباه، فإن استخدامه الواسع في إشارات المرور والتنبيهات قد يسبب التباسا للسائقين. أما الأصفر فيرسل رسالة واضحة ومباشرة: تمهّل، انتبه، هناك أطفال على متن الحافلة. كذلك، فإن النص الأسود المكتوب على الحافلات ليس مجرد عنصر جمالي، بل اختيار عملي مدروس، إذ يخلق تباينا قويا مع الخلفية الصفراء، ما يجعل الكلمات سهلة القراءة حتى من مسافات بعيدة وأثناء حركة الحافلة.

وتعود قصة اللون الأصفر إلى ثلاثينات القرن الماضي، حين لاحظ الأكاديمي الأمريكي فرانك دبليو. سير – أستاذ التربية في جامعة كولومبيا – الفوضى التي كانت تعمّ وسائل النقل المدرسي. فقد كانت الحافلات تختلف في الشكل والحجم واللون من ولاية إلى أخرى، بل إن بعض المناطق كانت تنقل الأطفال بعربات خشبية تجرها الخيول. وإدراكا منه لخطورة هذا الوضع، دعا سير عام 1939 إلى مؤتمر وطني أسفر عن وضع 44 معيارا موحدا لحافلات المدارس، شملت الأبعاد والتصميم واللون، وكان من أهمها اعتماد لون أصفر محدد يتمتع بسطوع عالٍ ورؤية قوية.

وقال وليام سير، نجل فرانك سير، في تصريح لصحيفة نيويورك تايمز عام 2013: “كانوا يريدون لونا يبرز ويُرى من مسافة بعيدة ويرتبط في أذهان الناس بالحافلة المدرسية، حتى إذا رأيناه نعلم أن هناك أطفالا في مكان قريب”.

وقد عُرف اللون الذي أُقرّ في مؤتمر 1939 باسم “الكروم الوطني لحافلات المدارس” أو “الأصفر اللامع الوطني”، وبقي ثابتا حتى اليوم رغم تغير كثير من اللوائح الأخرى خلال العقود الماضية. كما ساهم توحيد اللون في ترسيخ ارتباطه الذهني بالحافلات المدرسية، ما يدفع السائقين تلقائيا إلى الحذر عند رؤيته.

وهكذا، لم يكن طلاء الحافلات المدرسية باللون الأصفر خيارا عابرا، بل كان قرارا علميا وتنظيميا ذكيا أثبت فعاليته لعقود طويلة، وأسهم في حماية ملايين الأطفال يوميا في طريقهم من وإلى المدرسة.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا