كتبت: د. إيمان بشير ابوكبدة
يُعَدّ الطب البديل أحد أقدم صور الرعاية الصحية التي عرفتها البشرية، وقد نشأ من ممارسات وتجارب الشعوب القديمة في فهم الجسد والطبيعة والشفاء. ورغم اختلاف الثقافات، إلا أنّ كثيرًا من هذه الحضارات شاركت رؤية مشتركة تقوم على التوازن بين العقل والجسد والبيئة. فيما يلي نظرة شاملة على جذور هذا الطب في أبرز الحضارات القديمة:
الطب الصيني القديم (الطب التقليدي الصيني – TCM)
يُعتبر الطب الصيني من أقدم الأنظمة الطبية المستمرة في العالم، ويعتمد على فلسفة عميقة ترتكز على مفهوم الطاقة الحيوية “تشي” التي تتدفق داخل الجسم عبر مسارات معينة.
أبرز أسسه وممارساته:
الين واليانغ: مبدأ التوازن بين القوى المتضادة داخل الجسم.
العناصر الخمسة: النار، الأرض، المعدن، الماء، الخشب، وكل عنصر يرتبط بوظائف أعضاء معينة.
الوخز بالإبر: لتحفيز مسارات الطاقة وتقليل الألم.
الأعشاب الصينية: وتُستخدم في وصفات دقيقة ومتنوعة.
التاي تشي والكيغونغ: تمارين تجمع بين التنفس والحركة لتعزيز التوازن والصحة.
فلسفته العامة:
يرى الطب الصيني أنّ المرض يحدث عندما يختل توازن الطاقة، وأن العلاج يجب أن يعيد الانسجام بين الجسم والبيئة.
الطب الهندي القديم (الأيورفيدا)
نشأ الأيورفيدا في الهند قبل أكثر من 5000 عام، وهو من أكثر أنظمة الطب البديل شمولية، إذ يدمج العقل والجسد والروح في منظومة واحدة.
ركائز الأيورفيدا:
الدوشا الثلاث (Vata – Pitta – Kapha): أنماط حيوية تحدد طبيعة الشخص وصحته.
التغذية العلاجية: لكل دوشا أطعمة تناسبها وتعيد توازنها.
الأعشاب والزيوت الطبيعية: مثل الكركم، الزنجبيل، الأملا، زيت السمسم.
علاجات التطهير (بانشكارما): إزالة السموم بطرق لطيفة.
اليوغا والتأمل: لتعزيز التركيز وتهدئة الجهاز العصبي.
هدف الأيورفيدا:
الوصول إلى توازن بين الدوشات الثلاث، مما يؤدي إلى صحة طويلة الأمد ووقاية من الأمراض.
الطب المصري القديم
تُظهر النقوش الباقية في البرديات الطبية مثل بردية إدوين سميث وبردية إيبرس أنّ المصريين القدماء امتلكوا معرفة واسعة بالطب العلاجي والروحاني معًا.
ملامح الطب المصري القديم:
العلاجات العشبية: مثل الثوم، البصل، الصبار، العسل، الحبة السوداء.
الطب الروحاني: كان مرتبطًا بالآلهة والكهنة، وتُستخدم التعاويذ أحيانًا بجانب العلاج العملي.
الجراحات البسيطة: معالجة الكسور وتنظيف الجروح بطرق متقدمة بالنسبة لزمانهم.
الزيوت والعطور: استخدمت لأغراض علاجية وروحانية، خاصة زيت المر واللبان.
فلسفته العامة:
الجسم والروح متصلان، والمرض قد يكون ماديًا أو ناتجًا عن اضطراب روحي أو طاقي.
كيف أثرت هذه الحضارات في الطب الحديث؟
ساهمت هذه الأنظمة القديمة في تشكيل أساسات كثيرة من الطب البديل المعاصر، مثل العلاج بالأعشاب، الوخز بالإبر، التدليك، التأمل، والعلاجات الطاقية. كما زاد الاهتمام بها عالميًا اليوم لأنها تركز على الوقاية، وتوازن نمط الحياة، وفهم الإنسان كمنظومة متكاملة.
