الأدب

“مع عبد الحميد جوده السحار”وقراءة في كتابه” محمد رسول الله واللذين آمنوا معه.

بقلم/ إبراهيم الديب 

الكتاب تصنيفه أقرب للتاريخ سرده المؤلف بأسلوب قصصي برع فيه بتضفير الأدب التاريخ ، بدأه بسيرة أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام وصولاً لسيرة سيد الخلق محمد(صلى الله عليه وسلم ) وهي حقب طويلة: تقدر بحوالي ألفي عام تقبع وسط قرونها فترات غامضة، وحقب منسية ،وأحداث مغيبة، لكونها لم تحظ بدراسة كافية من المؤرخين فاجتهد المؤلف بسد تلك الفجوات التاريخية وشرح ذلك للقارئ من باب الأمانة العلمية وذكر السبب أيضاً الذي يتمثل في قلة المصادر، وقد نال اجتهاد الكاتب اعجاب واستحسان النقاد والقراء والمؤرخين لكونه القى الضوء على تلك الفترات المهملة التي لم تحظى باهتمام المؤرخين تدوينا وتوثيقا ولكنها حظيت بمعالجة وفق فيها المؤلف كثيراً فجاءت الاحداث المنسية على يد المؤلف الذي استند على منطق تلك الفترة وسياقها التاريخي مستخدما مقدماته ليخلص لنتائجه فبدى ما رتقه واضافه المؤلف أقرب للانسجام مع السابق واللاحق .

فكرة الكتاب في مجمله غير أنه قصصاً أدبية ممتعة ذاخرة بأحداث تسرد حياة امم طواها النسيان ولكنه أيضاً سياحة روحية تاريخية في دهاليز الماضي وغياهبه ، و حث من الكاتب ودعوة منه للأمم التي تناولها في سفره النفيس بالتفتيش عن نفسها بداخله لتصل الماضي بالحاضر ، تقرأ تاريخها من وجهة نظر الكاتب رؤية من خلال ودراسته الروحية العميقة، وهي الفكرة الابرز التي قام عليها الكتاب واستخدمها المؤلف معياراً لدراسته لتلك الامم استخدمه المؤلف وتتمثل تلك الفكرة ان الأمة التي يصلها رسولها برسالة وعقيدة السماء في حال التزامها بالنفحة الروحية، فتكون سببا رئيسيا لتقدمها وازدهارها حضارياً بل ترتقي على من حولها من الامم وتسودها ،وتظل في حمل مشعل الحضارة ما دامت متمسكة وملتزمة بعقيدة السماء ونفحتها الروحية التي تربطها بخالقها.

وهذه النفخة الروحية من وجهة نظر المؤلف هي الإسلام وهو دين جميع الأنبياء منذ ادم لمحمد عليهما أفضل الصلاة والسلام ، اما سبب تدهور هذه الأمة وعوامل الضعف وهي مقدمة سقوطها و انهيارها هو تخليها عن الالتزام بالنفحة الروحية وعقيدتها الدينية التي تربطها بالسماء وهذه لب فكرة الكتاب وهي بمعنى اوضح تفسيره للتاريخ بالعقيدة الدينية ، كمن يفسر التاريخ تفسيرا ماديا ،ورأسماليا، فسر الازدهار والتقدم المجتمعي من كل جوانبه الأخلاقي والاقتصادي والحربي ؛يكمن في قبض الأمة على النفحة الروحية وسقوطها وتخلفها يكمن في: نفس السبب بتخليها الأمة عنه وبعدها عن جادة الصواب، فهي هنا ليست مجرد عقيدة وعبادة تمارس ولكنها عوامل ومعياراً للسقوط والنجاح فالتاريخ ليس مجرد سرد أحداث إنما هو إلى جانب ذلك تفسير وتقييم لهذه الأحداث بمعيار العقيدة الدينية وجذوة الروح المتقدة التي تصل العبد بربه ومرجعا ومقياسا لا يخطئ لأفعاله حسنا أو قبحا ، و لهذا التصور خصوصية وهو أن للكون الها ثابتاً أزليا أبديا ،يرسل أنبيائه ورسله بتعاليم لبني البشر خليفته في الأرض يشمل من يلتزم بها برعايته أما من يعرض عن ذكره فينساه فتتحول عيشته ضنكا.

قدم المؤلف نماذج وشرحا وافياً لازدهار بعض الامم التي استلهمت الجذوة الروحية لتحقيق إرادة الله في نفس مدام يقبض عليها من خلال فعل الإنسان وهو في هذه الحالة اي الإنسان يمارس الخلافة في الأرض في الأرض من خلال ممارسة فعل الانسان ه على منهج الله فيزيده الله هدي ،كما قدم نماذج من الطغيان والظلم السياسي فرعون وجنوده و أخرى الاقتصادي، مثل قصة قارون ومن يسير على دربه في كل أمة تناولها، ولم ينس أن يقدم نماذج من الترف والكبر الذي هو أشد فتكا للمجتمعات على مدار التاريخ فهو أشد الأمراض و الأوبئة المدمرة لها، و مقدمة لخرابها، عقاباً لها ،قبل أن تهوى وتسقط حضارياً نتيجة حتمية لمعيار أزلي سابق طبقه المؤلف على كل المجتمعات البشرية التي تناولها في كتابه.
كما قام بتطبيق نفس المعيار على الأمم الوثنية ، التي لم تأتيها رسالة سماوية ولكنها ألتزمت بفكرة روحية نتج عنها معياراً أخلاقيا كما في حالة ذرا دشت وبوذا الذي تردد المؤلف و لم يقطع المؤلف بأنهما نبيان أم مصلحان ؟ ولكنه أكد أنهما بثا تعاليمها الروحية وامتزجت بنفوسهم شعوبها فارتقت بها وأصبحت بمثابة العقيدة وخضعا بذلك لنظرية التفسير الروحي للتاريخ ،هناك من يرى في هذه النظرية التي استخدمها عبد الحميد جودة السحار : التفسير الروحي للتاريخ بأنه لا يخضع لنظريات البحث العلمي لنظريات تفسير التاريخ الموضوعية لأنها تستند في بعض أسبابها متعلقة للخوارق والغيبيات الاي تقصي العقل عن التعليل العلمي للظاهرة وتكتفي بتفسير سطحي مبعثه القلب والنفس والروح المغرقة في الذاتية ، وأصحاب هذه النظرية يستندون على مبررات من القوة بمكان وهي أن الوجود البشري محكوم بقوانين تفسره من داخله وتتحكم بحركته ولا سلطان عليها من قوانين تفرض عليها من خارجها، وهذه النظرة الغربية للتاريخ بشقيه المادي والرأسمالي تلغي صلة البشر بخالقه ومسيره وتنفي بقاطع ، أو تحيد المعارف المرسلة للرسل عن طريق الوحي ولا تترك فرصة لقدر الله .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى