د.نادي شلقامي
في أوقات الأزمات تتجلّى حقيقة القادة، وتُختبر قدرات الإدارات لا في اتخاذ القرار فقط، بل في طريقة التعامل مع البشر. فالأخطاء الإدارية أو المهنية أمر لا مفر منه في أي مؤسسة، لكن الفارق الحقيقي يكمن في كيفية معالجة الخطأ دون المساس بكرامة الموظف. فالإدارة الواعية تدرك أن كسر خاطر الموظف قد يكون أكثر تكلفة من الخطأ نفسه، وأن بناء الإنسان هو أساس نجاح أي مؤسسة في أوقات الرخاء والشدّة.
أولًا…مفهوم الإدارة في الأزمات
الإدارة في حالات الأزمات هي القدرة على:
1- احتواء الموقف بدل تفجيره
2- تصحيح المسار دون فقدان الثقة
3- الحفاظ على تماسك الفريق رغم الضغوط
وهي ليست قرارات حاسمة فقط، بل سلوك قيادي متزن يجمع بين الحزم والإنسانية.
ثانيًا…خطأ الموظف… بين العقاب والتقويم
الأخطاء الوظيفية تنقسم إلى:
1- أخطاء غير مقصودة: ناتجة عن ضغط، نقص تدريب، سوء تقدير
2- أخطاء متكررة أو متعمدة: تحتاج إلى إجراءات حازمة.
لكن في كل الأحوال، التشهير بالموظف أو توبيخه أمام زملائه يؤدي إلى:
1- تحطيم معنوياته
2- فقدان انتمائه للمؤسسة
3- خلق بيئة خوف وتوتر
4- إنخفاض الإنتاجية العامة.
ثالثًا: لماذا لا يجب كسر خاطر الموظف أمام زملائه؟
لأن ذلك:
1- يهدم الثقة بين الإدارة والفريق
2- يدفع الموظف للدفاع لا للتعلم
3- يحوّل الخطأ الفردي إلى أزمة جماعية
4- يُضعف روح العمل الجماعي.
الإدارة الذكية تعالج الخطأ في غرفة مغلقة، وتُظهر الدعم في العلن.
رابعًا…الجوانب الإيجابية للتعامل الإنساني مع الأخطاء
عندما تُدار الأزمة بحكمة:
1- يتحوّل الخطأ إلى فرصة تعلم
2- يزداد ولاء الموظف للمؤسسة
3- يتحسّن الأداء على المدى الطويل
4- تُبنى ثقافة مؤسسية قائمة على الاحترام
أما الإدارة التي تُهين، فإنها تكسب لحظة قوة وتخسر مستقبلًا كاملًا.
خامسًا… الجوانب السلبية للتساهل المفرط
1- ورغم أهمية التعاطف، إلا أن:
2- تجاهل الأخطاء المتكررة
3- غياب المحاسبة
4- تبرير التقصير الدائم
قد يؤدي إلى:
1- ضعف الانضباط
2- ظلم الموظفين الملتزمين
3- انهيار المعايير المهنية
العدل لا يعني القسوة، والحزم لا يعني الإهانة.
سادسًا…فنون الإدارة الحديثة في التعامل مع الأزمات
تعتمد الإدارة الحديثة على:
1- القيادة بالتواصل لا بالصوت المرتفع
2- التغذية الراجعة البنّاءة بدل التوبي
3- التفريق بين الخطأ وصاحبه
4- التدريب بدل العقاب عند الإمكان
5- وضع أنظمة واضحة للمساءلة
كما تركز على الذكاء العاطفي، وفهم الضغوط النفسية، وخلق بيئة آمنة للتعلم من الأخطاء.
سابعًا….القائد الحقيقي وقت الأزمة
القائد الناجح هو من:
1- يتحمل المسؤولية قبل فريقه
2- يحمي موظفيه من الإهانة
3- يعالج الخطأ بعدل وهدوء
4- يعرف متى يكون صارمًا ومتى يكون داعمًا
فالقوة الحقيقية ليست في كسر الآخرين، بل في النهوض بهم بعد التعثر.
وختاما…فإن فن الإدارة الحديثة في الأزمات لا يُقاس بحدة القرارات، بل برقيّ الأسلوب. فالمؤسسات العظيمة لا تُبنى بالخوف، بل بالثقة، ولا تستمر بالقسوة، بل بالاحترام المتبادل. إن تصحيح الخطأ دون كسر خاطر الموظف هو استثمار طويل الأمد في الإنسان، وهو الطريق الأقصر نحو الاستقرار، والإنتاجية، والنجاح الحقيقي.
