أفكارنا: حين تخدعنا عقولنا

كتبت/ سالي جابر
أخصائية نفسية
هل يمكن أن تكون أفكارنا كاذبة؟ هل ما يدور في أذهاننا دومًا يمثل الحقيقة؟
الحقيقة العلمية والنفسية تقول: لا.
في كثير من الأحيان، أفكارنا لا تعبّر عن الواقع، بل تكون انعكاسًا لتجارب سابقة، ومعتقدات داخلية، ومخاوف دفينة، قد تجعلنا نعيش في وهم صنعه عقلنا الباطن. فالعقل لا يميز دائمًا بين ما هو حقيقي وما هو متخيَّل، وهذه الثغرة هي ما تجعل أفكارنا قادرة على خداعنا.
أولًا: ما الفكرة؟ ولماذا لا يمكننا الوثوق بها دائمًا؟
الفكرة هي صورة عقلية أو استنتاج ذهني يُنتجه الدماغ استجابةً لموقف معين. لكنها ليست نسخة حيادية من الواقع، بل تتأثر بما نحمله من مشاعر وذكريات ومعتقدات.
يؤكد آرون بيك، مؤسس العلاج المعرفي السلوكي، أن الإنسان ينتج آلاف الأفكار يوميًا، كثير منها تلقائي وغير واعٍ، وقد يحمل تحريفًا أو مبالغة، خصوصًا لدى من يعانون من القلق أو الاكتئاب.
ثانيًا: كيف تخدعنا أفكارنا؟
1. التفكير المشوّه:
وهو نمط من التفكير السلبي يجعلنا نرى الأمور من منظور غير دقيق. من أمثلته:
-التعميم المفرط: “فشلت مرة، إذًا أنا فاشل في كل شيء.”
– الفلترة السلبية: التركيز فقط على السلبيات وتجاهل النجاحات.
– قراءة النوايا: “أنا متأكد أنهم يكرهونني” دون دليل.
– التهويل: تحويل المواقف الصغيرة إلى كوارث داخلية.
2. الارتباط العاطفي بالأفكار٠:
العقل العاطفي قد يسيطر في أوقات القلق أو التوتر، فيجعلنا نصدق أن ما نشعر به هو الحقيقة.
مثال: “أنا حاسس إني مش محبوب، إذًا دي حقيقة.”
لكن الشعور لا يُعد دليلًا موضوعيًا.
3. قوة التكرار والتغذية العقلية:
كلما كرّرنا فكرة معينة، ترسّخت في دماغنا، وأصبحت أشبه بالواقع. وهذا يفسر كيف تتحول أفكار مثل “أنا ضعيف” إلى قناعة راسخة تؤثر على الأداء والثقة.
ثالثًا: نتائج خداع الأفكار:
حين نصدق فكرة غير صحيحة عن أنفسنا أو عن الآخرين، تبدأ دائرة من المشاعر السلبية:
الأفكار: “أنا غير كفء”
المشاعر: إحباط، توتر، حزن
السلوك: تجنّب المحاولة، الانسحاب، العزلة
وهكذا، نصبح أسرى لفكرة لم تكن سوى خدعة عقلية، لا تعكس الحقيقة.
رابعًا: كيف نكشف زيف الأفكار؟
1ـ تحدي الفكرة: هل هذه الفكرة حقيقية؟ ما الدليل؟ هل توجد أدلة عكسها؟
2- استخدام العقل المنطقي: لو قال لي صديقي هذه الفكرة عن نفسه، هل سأصدّقها؟
3- كتابة الأفكار وتحليلها: التفريغ الكتابي يساعد في رؤية الفكرة بوضوح.
4-استشارة مختص نفسي: خاصة إذا كانت الأفكار متكررة وتؤثر على الحياة اليومية.
ليست كل فكرة تطرأ على ذهنك تستحق التصديق. فالعقل أحيانًا يصنع أوهامًا تبدو حقيقية، لكنها مجرد صدى لتجارب أو مخاوف سابقة. الوعي بهذه الحقيقة هو بداية التحرر.
حين نتعلم كيف نفرّق بين الفكرة والحقيقة، نخطو أول خطوة نحو حياة أهدأ، وعقل أوضح، ونفس أكثر اتزانًا.
تذكّر دائمًا: أنت لست أفكارك… بل أنت من يملك حق اختيار تصديقها أو تجاوزها.