بقلم : جمال حشاد
في زمنٍ صارت فيه الكلمات تُقال أكثر مما تُحس، تبقى الكتابة هي المخرج الحقيقي لأرواحنا، واللغة التي لا تخون مشاعرنا.
فنحن لا نكتب فقط لنملأ صفحات بيضاء، بل لنفرغ ما يفيض في صدورنا، ونُخرِج ما لا نقدر أن نقوله وجهًا لوجه.
الكتابة ليست رفاهية، بل وسيلة نجاة. حين تضيق الدنيا، وتتزاحم المشاعر، وتختلط الفرحات بالأوجاع، نجد أن القلم هو الأقدر على الفهم، والورقة هي الوحيدة التي لا تقاطعنا أو تُصدّق علينا الأحكام.
نحن نكتب ما نشعر به حين نعجز عن التعبير بالكلام. نكتب حين يغمرنا الحنين، أو حين تخنقنا الخيبة. نكتب لنُرمم ما تهدَّم فينا، ولنوثق اللحظات التي لا نريد أن تُنسى.
كل كلمة نكتبها هي مرآة لداخلنا، تُجسد أحلامنا ومخاوفنا، انتصاراتنا وانكساراتنا.
ربما نكتب عن الحب ولكننا نقصد الفقد، وربما نكتب عن الأمل ونحن في قاع اليأس.
فالكتابة تعرفنا أكثر مما نعرف أنفسنا.
لسنا جميعًا كتّابًا، لكننا جميعًا نملك قصة تستحق أن تُقال.
نكتب لأن داخل كلٍّ منا صوتًا خفيًا يصرخ، قلبًا يبحث عن طمأنينة، وروحًا تبحث عن صدًى يُشبهها.
الكتابة ليست مجرد حروف متراصّة، بل هي حالة شعورية خالصة. نحن لا نكتب دائمًا لنُقرأ، بل أحيانًا نكتب فقط لنعبر، لنُنقذ أنفسنا من الغرق في دوامة الصمت. فالكلمات التي نخطها، حتى وإن لم تجد من يفهمها، تكفينا لأنها تمنحنا مساحة من التنفّس.
في لحظات الوحدة أو الصراع أو حتى الفرح، يصبح القلم رفيقًا مخلصًا. نُودعه أسرارًا نخشى أن نبوح بها، ونرسم من خلاله عوالم من الأمل، وربما نحاول أن نُعيد بناء ذواتنا المتكسّرة على الورق.
الكتابة ليست ضعفًا، بل شجاعة. أن تكتب ما تشعر به، فهذا يعني أنك قررت أن تواجه، أن تُعلن ما بداخلك بصوت مسموع، حتى وإن لم يسمعه أحد.
نكتب حين نحب، حين نفقد، حين نحلم، وحين نُخيب. نكتب لنتذكّر، نكتب لننسى، نكتب لنُسامح، وأحيانًا نكتب لنستعيد أنفسنا التي أرهقتها الحياة.
وفي نهاية المطاف، لا أحد يمكنه أن يكتب مثلما تكتب أنت…
لأن لا أحد يشعر مثلك، ولا أحد يرى العالم من خلال قلبك سواك.
فاستمر في الكتابة، ولا تتوقف عن الإفصاح عن مشاعرك على الورق،
ففي كل سطرٍ تكتبه، هناك روح تتنفس، ووجع يشفى، وحلم يولد من جديد.
نحن لا نكتب من أجل الآخرين فقط، بل نكتب لنشفى، لنتنفس، لنتصالح مع ذواتنا…
نحن نكتب ما نشعر به، لأن الشعور حين يُك
تب، يتحوّل من عبءٍ إلى نور.
